تَسَعُ مَا يُلْقَى فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ بِأَنْ يُكْشَفَ بَاطِنُهَا لِلْمَعْرُوضِينَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرَوْا سِعَتَهَا كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
امْتَلَا الْحَوْضُ وَقَالَ: قَطْنِي وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَلْ مِنْ مَزِيدٍ مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّشْوِيقِ وَالتَّمَنِّي.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ مُشَوِّقَةٌ إِلَى الْإِيفَاءِ بِمَا خُلِقَتْ لَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْطَان قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الْأَعْرَاف: 16] . وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِظْهَارِ الِامْتِثَالِ لِمَا خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَجْلِهِ، وَلِأَنَّهَا لَا تَتَلَكَّأُ وَلَا تَتَعَلَّلُ فِي أَدَائِهِ عَلَى أَكْمَلِ حَالٍ فِي بَابِهِ.
وَالْمَزِيدُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ الْمَجِيدِ وَالْحَمِيدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَفْعُولٍ مِنْ زَادَ، أَيْ هَلْ مِنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ يلقون فيّ.
[31- 35]
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35)
عَطَفَ وَأُزْلِفَتِ عَلَى يَقُولُ لِجَهَنَّمَ. فَالتَّقْدِيرُ: يَوْمَ أزلفت الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَهُوَ رُجُوعٌ إِلَى مُقَابِلِ حَالَةِ الضَّالِّينَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَّصِلَةٌ فِي الْمَعْنَى بِجُمْلَةِ وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: 21] وَلَوِ اعْتُبِرَتْ مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا لَصَحَّ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ عَطْفَهَا عَلَى جملَة يَوْم يَقُول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ [ق: 30] غَنِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الْكَلَامِ.
وَالْإِزْلَافُ: التَّقْرِيبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّلَفِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقِيَاسُ فِعْلِهِ أَنَّهُ كَفَرِحَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ وَلَمْ يُرْوَ فِي كَلَامِهِمْ، أَيْ جُعِلَتِ الْجَنَّةُ قَرِيبًا مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَيِ ادْنُوَا مِنْهَا.
وَالْجَنَّةُ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ وُرُودِ الْمُتَّقِينَ إِلَيْهَا فَإِزْلَافُهَا قَدْ يَكُونُ بِحَشْرِهِمْ لِلْحِسَابِ