وَتَشَابُهُ الضَّمِيرَيْنِ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَفِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ لَا لَبْسَ فِيهِ لِظُهُورِ مَرْجِعِ كُلِّ ضَمِيرٍ، فَهُوَ كَالضَّمَائِرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها فِي سُورَةِ الرُّومِ [9] ، وَقَوْلِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
عُدْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَحْدَقَ جَمْعُهُمْ ... بِالْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا مَا جَمَّعُوا
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.
اللَّمْزُ: ذِكْرُ مَا يَعُدُّهُ الذَّاكِرُ عَيْبًا لِأَحَدٍ مُوَاجَهَةً فَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمَكْرُوهِ. فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ فَهُوَ وَقَاحَةٌ وَاعْتِدَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَهُوَ وَقَاحَةٌ وَكَذِبٌ، وَكَانَ شَائِعًا بَيْنَ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ قَالَ تَعَالَى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الْهمزَة: 1] يَعْنِي نَفَرًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ دَأْبُهُمْ لَمْزَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ بِحَالَةٍ بَيْنِ الْإِشَارَةِ وَالْكَلَامِ بِتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ بِكَلَامٍ خَفِيٍّ يَعْرِفُ مِنْهُ الْمُوَاجَهُ بِهِ أَنَّهُ يُذَمُّ أَوْ يُتَوَعَّدُ، أَوْ يُتَنَقَّصُ بِاحْتِمَالَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ النَّبْزِ وَغَيْرُ الْغَيْبَةِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ وَكُتُبِ اللُّغَةِ اضْطِرَابٌ فِي شَرْحِ مَعْنَى اللَّمْزِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَنْخُولُ مِنْ ذَلِكَ.
وَمَعْنَى لَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ لَا يَلْمِزْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَنُزِّلَ الْبَعْضُ الْمَلْمُوزُ نَفْسًا لِلَامِزِهِ لِتَقَرُّرِ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [84] .
وَالتَّنَابُزُ: نَبْزُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَالنَّبْزُ بِسُكُونِ الْبَاءِ: ذَكَرَ النَّبَزَ بِتَحْرِيكِ الْبَاءِ وَهُوَ اللَّقَبُ السُّوءُ، كَقَوْلِهِمْ: أَنْفُ النَّاقَةِ، وَقُرْقُورٌ، وَبَطَّةُ. وَكَانَ غَالِبُ الْأَلْقَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَبْزًا. قَالَ بَعْضُ الْفَزَارِيِّينَ:
أُكَنِّيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لِأُكْرِمَهُ ... وَلَا أُلَقِّبُهُ وَالسَّوْأَةُ اللَّقَبُ
رُوِيَ بِرَفْعِ السَّوْأَةُ اللَّقَبُ فَيَكُونُ جَرْيًا عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُمْ فِي اللَّقَبِ وَأَنَّهُ سَوْأَةٌ.
وَرَوَاهُ «دِيوَانُ الْحَمَاسَةِ» بِنَصْبِ السَّوْأَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ وَاوُ الْمَعِيَّةِ. وَرُوِيَ بِالسَّوْأَةِ اللَّقَبَا أَيْ لَا أُلَقِّبُهُ لَقَبًا مُلَابِسًا لِلسَّوْءَةِ فَيَكُونُ أَرَادَ تَجَنُّبَ بَعْضِ اللَّقَبِ