وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُمَا.
وَعَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّثَبُّتُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»
. وَمَوْقِعُ أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا إِلَخْ نَصْبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ لَامُ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفَةً. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ.
وَالْمُعَلَّلُ بِاللَّامِ الْمَحْذُوفَةِ أَوِ الْمُقَدَّرَةِ هُوَ التَّثَبُّتُ، فَمَعْنَى تَعْلِيلِهِ بِإِصَابَةٍ يَقَعُ إِثْرَهَا النَّدَمُ هُوَ التَّثَبُّتُ. فَمَعْنَى تَعْلِيلِهِ بِإِصَابَةٍ يَقَعُ آخِرَهَا النَّدَمُ أَنَّ الْإِصَابَةَ عِلَّةٌ تُحْمَلُ عَلَى التَّثَبُّتِ لِلتَّفَادِي مِنْهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى انْتِفَاءِ حُصُولِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِذَا صَلَحَتْ لِإِثْبَاتِ الْكَفِّ عَنْ فِعْلٍ تَصْلُحُ لِلْإِتْيَانِ بِضِدِّهِ لِتَلَازُمِ الضِّدِّ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ [الحجرات: 2] فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَهَذَا التَّحْذِيرُ مِنْ جَرَّاءِ قَبُولِ خَبَرِ الْكَاذِبِ يَدُلُّ عَلَى تَحْذِيرِ مَنْ يَخْطُرُ لَهُ اخْتِلَاقُ خَبَرٍ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى خَبَرِهِ الْكَاذِبِ مِنْ إِصَابَةِ النَّاسِ. وَهَذَا بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ.
وَالْجَهَالَةُ: تُطْلَقُ بِمَعْنَى ضِدِّ الْعِلْمِ، وَتُطْلَقُ بِمَعْنَى ضِدِّ الْحِلْمِ مِثْلِ قَوْلِهِمْ: جَهِلَ كَجَهْلِ السَّيْفِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ
مُتَلَبِّسِينَ أَنْتُمْ بِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْوَاقِعِ لِتَصْدِيقِكُمُ الْكَاذِبَ، وَمُتَعَلِّقُ تُصِيبُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاق سَابِقًا وَلَا حَقًا، أَيْ أَنْ تُصِيبُوهُمْ بِضُرٍّ، وَأَكْثَرُ إِطْلَاقِ الْإِصَابَةِ عَلَى إِيصَالِ الضُّرِّ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ الثَّانِي الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِفِعْلٍ مِنْ أَثَرِ الْجَهَالَةِ، أَيْ بِفِعْلٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْإِضْرَارِ.
وَمَعْنَى فَتُصْبِحُوا فَتَصِيرُوا لِأَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ (كَانَ) تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ.
وَالنَّدَمُ: الْأَسَفُ عَلَى فِعْلٍ صَدَرَ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا النَّدَمُ الدِّينِيُّ، أَيِ النَّدَمُ عَلَى التَّوَرُّطِ فِي الذَّنْبِ لِلتَّسَاهُلِ وَتَرَكِ تَطَلُّبِ وُجُوهِ الْحَقِّ.
وَهَذَا الْخِطَابُ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا