الْحُجُرَاتِ، وَأَوَّلَ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ سُورَةُ الطَّارِقِ، وَأَوَّلَ الْقِصَارِ سُورَةُ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ [الزلزلة: 1] .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ: أَوَّلُ الْمُفَصَّلِ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ، وَقِيلَ سُورَةُ ق، وَرَجَّحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَوَّلُ الْمُفَصَّلِ سُورَةُ ق.
وَالْمُفَصَّلُ هُوَ السُّورُ الَّتِي تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ بِبَعْضِهَا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كتب الْفِقْه.
[1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
الِافْتِتَاحُ بِنِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ مَا يَرِدُ بَعْدَ ذَلِكَ النِّدَاءِ لِتَتَرَقَّبَهُ أَسْمَاعُهُمْ بِشَوْقٍ. وَوَصْفُهُمْ بِ الَّذِينَ آمَنُوا جَارٍ مَجْرَى اللَّقَبِ لَهُمْ مَعَ مَا يُؤْذِنُ بِهِ أَصْلُهُ مِنْ أَهْلِيَّتِهِمْ لِتَلَقِّي هَذَا النَّهْيِ بِالِامْتِثَالِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى أَغْرَاضِ السُّورَةِ أَنَّ الْفَخْرَ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَهِيَ إِمَّا فِي جَانِبِ اللَّهِ أَوْ جَانب رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِجَانِبِ الْفُسَّاقِ أَوْ بِجَانِبِ الْمُؤْمِنَ الْحَاضِرِ أَوْ بِجَانِبِ الْمُؤْمِنَ الْغَائِبِ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، فَذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَأَرْشَدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِلَى مَكْرُمَةٍ مَعَ قِسْمٍ مِنَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ إِلَخْ، فَهَذَا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ انْدَرَجَ فِيهِ وَاجِبُ الْأَدَبِ مَعَ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْرِضُ الْغَفْلَةُ عَنْهَا.
وَالتَّقَدُّمُ حَقِيقَتُهُ: الْمَشْيُ قَبْلَ الْغَيْرِ، وَفِعْلُهُ الْمُجَرَّدُ: قَدَمَ مِنْ بَابِ نَصَرَ قَالَ تَعَالَى:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [هود: 98] . وَحَقُّ قَدَّمَ بِالتَّضْعِيفِ أَنْ يَصِيرَ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ وَإِنَّمَا يُعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِحَرْفِ عَلَى.