[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26)

ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفعل صَدُّوكُمْ [الْفَتْح: 25] أَيْ صَدُّوكُمْ صَدًّا لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا دَاعِيَ إِلَيْهِ إِلَّا حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ جَاءُوا مُسَالِمِينَ مُعَظِّمِينَ حُرْمَةَ الْكَعْبَةِ سَائِقِينَ الْهَدَايَا لِنَفْعِ أَهْلِ الْحَرَمِ فَلَيْسَ مِنَ الرُّشْدِ أَنْ يُمْنَعُوا عَنِ الْعُمْرَةِ وَلَكِنَّ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ غَطَّتْ عَلَى عُقُولِهِمْ فَصَمَّمُوا عَلَى مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ آلَ النِّزَاعُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الْعَامَ وَعَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُمَكِّنُوهُمْ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي الْقَابِلِ وَأَنَّ الْعَامَيْنِ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا التَّشَفِّيَ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِحَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

فَكَانَ تَعْلِيقُ هَذَا الظَّرْفِ بِفِعْلِ وَصَدُّوكُمْ مُشْعِرًا بِتَعْلِيلِ الصَّدِّ بِكَوْنِهِ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْحَمِيَّةَ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْهُمْ تَظْهَرُ مِنْهَا آثَارُهَا فَمِنْهَا الصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَالْحَمِيَّةُ: الْأَنَفَةُ، أَيِ الِاسْتِنْكَافُ مِنْ أَمْرٍ لِأَنَّهُ يَرَاهُ غَضَاضَةً عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَى اسْتِكْبَارٍ لَا مُوجِبَ لَهُ فَإِنْ كَانَ لِمُوجِبٍ فَهُوَ إِبَاءُ الضَّيْمِ. وَلَمَّا كَانَ صَدُّهُمُ النَّاسَ عَنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ بِلَا حَقٍّ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُ اللَّهِ لَا بَيْتُهُمْ كَانَ دَاعِي الْمَنْعِ مُجَرَّدَ الْحَمِيَّةِ قَالَ تَعَالَى:

وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ [الْأَنْفَال: 34] . وجَعَلَ بِمَعْنَى وَضَعَ، كَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ فِي الْمَقَامَةِ الْأَخِيرَةِ «اجْعَلِ الْمَوْت نصب عَيْنك» ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَإِثْمِدٌ يُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015