الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الْفَتْح: 18] .
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها [الْفَتْح: 19] .
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [الْفَتْح: 27] .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَجَعَلُوا إِطْلَاقَ اسْمِ الْفَتْحِ عَلَيْهِ مَجَازًا مُرْسَلًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آلَ إِلَى فَتْحِ خَيْبَرَ وَفَتْحِ مَكَّةَ، أَوْ كَانَ سَبَبًا فِيهِمَا فَعَنِ الزُّهْرِيِّ «لَقَدْ كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ ذَلِكَ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَيْهَا فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَلَمَّا وَقَعَ صُلْحٌ مَشَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، أَيْ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ أَرْضَ بَعْضٍ مِنْ أَجْلِ الْأَمْنِ بَيْنَهُمْ، وَعَلِمُوا وَسَمِعُوا عَنِ اللَّهِ فَمَا أَرَادَ أَحَدٌ الْإِسْلَامَ إِلَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ، فَمَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَتَانِ إِلَّا والمسلمون قد جاؤوا إِلَى مَكَّةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ» اهـ،
وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ أَمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالْتَقَوْا وَتَفَاوَضُوا الْحَدِيثَ وَالْمُنَاظَرَةَ فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ يَعْقِلُ بِالْإِسْلَامِ إِلَّا دَخَلَ فِيهِ»
. وَعَلَى هَذَا فَالْمَجَازُ فِي إِطْلَاقِ مَادَّةِ الْفَتْحِ عَلَى سَبَبِهِ وَمَآلِهِ لَا فِي صُورَةِ الْفِعْلِ، أَيِ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمَجَازِيِّ قَدْ وَقَعَ فِيمَا مَضَى فَيَكُونُ اسْمُ الْفَتْحِ اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَصِيغَةُ الْمَاضِي اسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَيَيْهَا فَيَظْهَرُ وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِي إِيثَارِ هَذَا التَّرْكِيبِ.
وَقِيلَ: هُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ الْوَاقِعِ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا يَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها [الْفَتْح: 15] .
وَعَلَى هَذِهِ الْمَحَامِلِ فَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِ (إِنَّ) لِمَا فِي حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ تَرَدُّدِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَو تساؤلهم،
فَعَن عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: «أَو فتح هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ رَاجِعًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَالله مَا هَذَا بِفَتْحٍ صُدِدْنَا عَنِ الْبَيْتِ وَصُدَّ هَدْيُنَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: بِئْسَ الْكَلَامُ
هَذَا بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْفَتْحِ لَقَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَنْ بِلَادِهِمْ وَيَسْأَلُوكُمُ الْقَضِيَّةَ وَيُرَغِّبُونَ إِلَيْكُمُ الْأَمَانَ وَقَدْ كَرِهُوا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا وَلَقَدْ أَظْفَرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَدَّكُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ