الدِّينِ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِهِ «الْمَزْجِ عَلَى الْمُغْنِي» ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الَّذِي بِالْقَوْلِ الْمُشْتَهِرِ بِ «الْحَوَاشِي الْهِنْدِيَّةِ» أَنَّ تَمْثِيلَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي «الْمُفَصَّلِ» بقوله: هَا إِنَّ زَيْدًا مُنْطَلَقٌ يَقْتَضِي جَوَازَ: هَا أَنَا أَفْعَلُ، لَكِنَّ الرَّضِيَّ قَالَ: لَمْ أَعْثُرْ بِشَاهِدٍ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ تَذْيِيلٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَهَا فَاللَّهُ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ، وَالْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ مَالًا فِي شَيْءٍ، وَالْمُخَاطَبُونَ فُقَرَاءُ فَلَا يُطْمَعُ مِنْهُمُ الْبَذْلُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ دُعَاءَهُمْ لِيُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعَاءٌ بِصَرْفِ أَمْوَالِهِمْ فِي مَنَافِعِهِمْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَالتَّعْرِيفُ بِاللَّامِ فِي الْغَنِيُّ وَفِي الْفُقَراءُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ فِيهِمَا مُؤْذِنٌ بِكَمَالِ الْجِنْسِ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَلَمَّا وَقَعَا خَبَرِينِ وَهُمَا مَعْرِفَتَانِ أَفَادَا الْحَصْرَ، أَيْ قَصْرُ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ قَصْرُ جِنْسِ الْغَنِيِّ عَلَى اللَّهِ وَقَصْرُ جِنْسِ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْمُخَاطِبِينَ بِ أَنْتُمْ وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ فِيهِمَا مُرَتَّبٌ عَلَى دَلَالَةِ أَلْ عَلَى مَعْنَى كَمَالِ الْجِنْسِ، فَإِنَّ كَمَالَ الْغِنَى لِلَّهِ لَا مَحَالَةَ لِعُمُومِهِ وَدَوَامِهِ، وَإِنْ كَانَ يُثْبِتُ بَعْضَ جِنْسِ الْغِنَى لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا كَمَالُ الْفَقْرِ لِلنَّاسِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى غِنَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُغْنَوْنَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَكِنَّ ذَلِكَ غِنًى قَلِيلٌ وَغَيْرُ دَائِمٍ.
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ.
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ [مُحَمَّد: 36] . وَالتَّوَلِّي:
الرُّجُوعُ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِاسْتِبْدَالِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ جَزَاؤُهُ اسْتِبْدَالَ قَوْمٍ غَيْرِهِمْ
كَمَا اسْتَبْدَلُوا دِينَ اللَّهِ بِدِينِ الشِّرْكِ.
وَالِاسْتِبْدَالُ: التَّبْدِيلُ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، ومفعوله قَوْماً أَو المستبدل بِهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَى تَقْدِيرِهِ قَوْلُهُ غَيْرَكُمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَبْدَلَ بِهِ هُوَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (غَيْرُ) لِتَعَيُّنِ انْحِصَارِ الِاسْتِبْدَالِ فِي شَيْئَيْنِ، فَإِذَا ذُكِرَ أَحَدَهُمَا عُلِمَ الْآخَرُ. وَالتَّقْدِيرُ: يَسْتَبْدِلُ قَوْمًا بِكُمْ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي فِعْلِ الِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبْدِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ هُوَ الْمُعَوِّضُ وَمَجْرُورُ الْبَاءِ هُوَ الْعِوَضُ كَقَوْلِهِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ