وَإِحْبَاطُ الْأَعْمَالِ إِبْطَالُهَا: أَيْ جَعْلُهَا بُطْلًا، أَيْ ضَائِعَةً لَا نَفْعَ لَهُمْ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: الْأَعْمَالُ الَّتِي يَرْجُونَ مِنْهَا النَّفْعَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَ نَفْعَهَا فِي الْآخِرَةِ إِذْ هُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَإِنَّمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنَ الْأَعْمَال الصَّالِحَة رَضِي الله ورضى الْأَصْنَامِ لِيَعِيشُوا فِي سَعَةِ رِزْقٍ وَسَلَامَةٍ وَعَافِيَةٍ وَتَسْلَمَ أَوْلَادُهُمْ وَأَنْعَامُهُمْ، فَالْأَعْمَالُ الْمُحْبَطَةُ بَعْضُ الْأَعْمَالِ الْمُضَلِّلَةِ، وَإِحْبَاطُهَا هُوَ عَدَمُ تَحَقُّقِ مَا رَجَوْهُ مِنْهَا فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ إِضْلَالِ أَعْمَالِهِمْ كَمَا عَلِمْتَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: 1] أَوَّلَ السُّورَةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا لِئَلَّا يَظُنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهَا قَدْ تُخَفِّفُ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فقد كَانُوا يستاءلون عَنْ ذَلِكَ، كَمَا
فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أسلمت على مَا سلف مِنْ خَيْرٍ»
أَيْ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ لَمَا كَانَ لَهُ فِيهَا خَيْرٌ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَانْتَفَعُوا بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ الْمَقْصُودُ الْأَهَمُّ وَفِي الدُّنْيَا عَلَى الْجُمْلَةِ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَأْكِيدُ الْخَيْر الْمَذْكُور.
[10]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ [مُحَمَّد: 8] الْآيَةَ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظَائِر أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الرُّومِ [9] وَفِي سُورَةِ غَافِرٍ [21] .
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَالْمَعْنَى: أَلَيْسَ تَعْسُ الَّذِينَ كَفَرُوا مَشْهُودًا عَلَيْهِ بِآثَارِهِ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ أَمْثَالِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ يَدِينُونَ بِمِثْلِ دِينِهِمْ.
وَجُمْلَةُ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ. وَالتَّدْمِيرُ: الْإِهْلَاكُ وَالدَّمَارُ وَهُوَ الْهَلْكُ.