وَجَعَلَ الْبَصَائِرَ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلنَّاسِ عَامَّةً وَجَعَلَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةَ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي بِبَيَانِهِ إِلَّا الْمُوقِنُ بِحَقِيقَتِهِ وَلَا يُرْحَمُ بِهِ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ الْمُؤْمِنُ بِحَقِّيَّتِهِ.
وَذِكْرُ لَفْظِ (قَوْمٍ) لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِيقَانَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ نُفُوسِهِمْ كَأَنَّهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمُ الَّتِي تُمَيِّزُهُمْ عَنْ أَقْوَامٍ آخَرِينَ.
وَالْإِيقَانُ: الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ صَاحِبُهُ. وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ آيَات الله.
[21]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
انْتِقَالٌ مِنْ وَصْفِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْآيَاتِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِهَا ثُمَّ مِنْ أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ وَإِيكَالِ جَزَاءِ صَنَائِعِهِمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ مِنَ التَّثْبِيتِ عَلَى مُلَازَمَةِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى وَصْفِ صِنْفٍ آخَرَ مِنْ ضَلَالِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِحَالَتِهِمُ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَتَخْيِيلِهِمْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ فِي الْآخِرَةِ، عَلَى الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، عَظِيمُهُمْ فِي الدُّنْيَا عَظِيمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَضَعِيفُهُمْ فِي الدُّنْيَا ضَعِيفُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا الِانْتِقَالُ رُجُوعٌ إِلَى بَيَانِ قَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [الجاثية: 15] .
فَحَرْفُ أَمْ
لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي يَلْزَمُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ أَمْ
اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَحْسَبُ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنَّهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا لَا فِي الْحَيَاةِ وَفِي فِي الْمَمَاتِ. والَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
فِي نَقْلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَرَضِ السَّابِقِ إِلَى هَذَا الْغَرَضِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهَذَا الْعُنْوَانِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنْ تَعْلِيلِ إِنْكَارِ الْمُشَابَهَةِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَالَمِ الْخُلْدِ وَلِأَنَّ اكْتِسَابَ السَّيِّئَاتِ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الشِّرْكِ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ