عَلَى جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ إِنَابَةَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النَّجْم: 41] .
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ أَيْ بَعْدَ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا تَصِيرُونَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ وَالسَّيِّئَةِ بِمَا يُنَاسِبُ أَعْمَالَكُمْ.
وَأَطْلَقَ عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ بِحَالِ مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ سَيِّدِهِ أَوْ أَمِيرِهِ فَعَمِلَ مَا شَاءَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَمِيرِهِ فَإِنَّهُ يُلَاقِي جَزَاءَ مَا عَمِلَهُ، وَقَدْ تقدّمت نَظَائِره.
[16، 17]
وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ سَوْقُ خَبَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها [الجاثية: 18] أَثَارَ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: يْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ
إِلَى قَوْله: اتَّخَذَها هُزُواً [الجاثية: 7- 9] ثُمَّ قَوْلِهِ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية: 14] فَكَانَ الْمَقْصِدُ قَوْلَهُ ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ [الجاثية: 18] وَلِذَلِكَ عُطِفَتِ الْجُمْلَةُ بِحَرْفِ ثُمَّ الدَّالِّ عَلَى التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، أَيْ عَلَى أَهَمِّيَّةِ مَا عُطِفَ بِهَا.
وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ النَّظْمِ أَنْ يَقَعَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ الْآيَتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ [الجاثية: 18] فَيَكُونَ دَلِيلًا وَحُجَّةً لَهُ فَأَخْرَجَ النَّظْمَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ فَجُعِلَتِ الْحُجَّةُ تَمْهِيدًا قَصْدًا لِلتَّشْوِيقِ لِمَا بَعْدَهُ، وَلِيَقَعَ مَا بَعْدَهُ مَعْطُوفًا بِ ثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ مَا بَعْدَهَا.