عَنْهُمْ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [10] .
وَمَا كَسَبُوا: أَمْوَالُهُمْ. وشَيْئاً مَنْصُوبٌ على المفعولية الْمُطلقَة، أَيْ شَيْئًا مِنَ الْإِغْنَاءِ لِأَنَّ شَيْئاً مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْعَالِيَةِ فَهُوَ مُفَسَّرٌ بِمَا وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ وَلَوْ قَلِيلًا مِنْ جَهَنَّمَ، أَيْ عَذَابِهَا.
وَلا مَا اتَّخَذُوا عُطِفَ عَلَى مَا كَسَبُوا وَأُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ لِلتَّأْكِيدِ، وأَوْلِياءَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِ اتَّخَذُوا. وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ ضَمِيرُهُمْ لِوُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ فَإِنَّ حَذْفَ مِثْلِهِ فِي الصِّلَةِ كَثِيرٌ.
وَأُرْدِفَ عَذابٌ مُهِينٌ بِعَطْفِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لِإِفَادَةِ أَنَّ لَهُمْ عَذَابًا غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، فَالْعَذَابُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ غَيْرُ الْعَذَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.
[11]
هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
جُمْلَةُ هَذَا هُدىً اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ انْتَقَلَ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقُرْآنِ فِي ذَاتِهِ بِأَنَّهُ مَنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ إِلَى وَصْفِهِ بِأَفْضَلِ صِفَاتِهِ بِأَنَّهُ هُدًى، فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ فِي حَالِ النُّزُولِ وَالتِّلَاوَةِ فَهُوَ كَالشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْ أَوْصَافِهِ مِنْ قَوْلِهِ: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجاثية: 2] وَقَوْلِهِ: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ [الجاثية: 6] إِلَى آخِرِهِ مَا صَيَّرَهُ مُتَمَيِّزًا شَخْصًا بِحُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ. وَوَصَفَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ هُدىً مِنَ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: هَادٍ لِلنَّاسِ، فَمَنْ آمَنَ فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَلَهُ عَذَابٌ لِأَنَّهُ حَرَمَ نَفْسَهُ مِنَ الْهُدَى فَكَانَ فِي الضَّلَالِ وَارْتَبَقَ فِي الْمَفَاسِدِ وَالْآثَامِ.