التَّفَاوُتَ الْيَسِيرَ، أَيْ تَخْتَلِفُ آرَاءُ النَّاسِ فِي تَفْضِيلِهَا، فَعَلَى ذَلِكَ بَنَى النَّاسُ كَلَامَهُمْ فَقَالُوا: رَأَيْتُ رِجَالًا بَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِيهَا فَتَارَةً يُفَضِّلُ هَذَا وَتَارَةً يُفَضِّلُ ذَاكَ، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ (?) :
مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لَاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ ... مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي
وَقَدْ فَاضَلَتِ الْأَنْمَارِيَّةُ (?) بَيْنَ الْكَمَلَةِ مِنْ بَنِيهَا ثُمَّ قَالَتْ لَمَّا أَبْصَرْتُ مَرَاتِبَهُمْ مُتَقَارِبَةً قَلِيلَةَ التَّفَاوُتِ: ثَكِلْتُهُمْ إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَيَّهُمْ أَفْضَلُ، هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفَرَّغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا. فَالْمَعْنَى: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَهِيَ آيَةٌ جَلِيلَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى صدق الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَادُ تُنْسِيهِمُ الْآيَةَ الْأُخْرَى. وَالْأُخْتُ مُسْتَعَارَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ فِي كَوْنِهَا آيَةً.
وَعُطِفَ وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ عَلَى جُمْلَةِ وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ لِأَنَّ الْعَذَابَ كَانَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْعَذَابُ: عَذَابُ الدُّنْيَا، وَهُوَ مَا يُؤْلِمُ وَيَشُقُّ، وَذَلِكَ الْقَحْطُ وَالْقُمَّلُ وَالطُّوفَانُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ فِي الْمَاءِ.
وَالْأَخْذُ بِمَعْنَى: الْإِصَابَةِ. وَالْبَاءُ فِي بِالْعَذابِ لِلِاسْتِعَانَةِ كَمَا تَقُولُ: خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، أَيْ ابَتْدَأْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ قَبْلَ الِاسْتِئْصَالِ لَعَلَّ ذَلِكَ يُفِيقُهُمْ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَفِي هَذَا
تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ مَكَّةَ إِذْ أُصِيبُوا بِسِنِي الْقَحْطِ.
وَالرُّجُوعُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِذْعَانِ وَالِاعْتِرَافِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالرُّجُوعِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: 28] . وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ فِي نُرِيهِمْ وأَخَذْناهُمْ، ولَعَلَّهُمْ عَائِدَةٌ إِلَى فِرْعَوْن وملئه.
[49]