مُرْسِلٌ رَسُولًا. وَقَرَأَ فَيُوحِيَ بِسُكُونِ الْيَاءِ بَعْدَ كَسْرَةِ الْحَاءِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ أَوْ يُرْسِلَ بِنَصْبِ الْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ (أَنْ) مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا الْعَطْفُ عَلَى الْمَصْدَرِ فَصَارَ الْفِعْلُ الْمَعْطُوفُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، فَاحْتَاجَ إِلَى تَقْدِيرِ
حَرْفِ السَّبْكِ. وَقَرَأُوا فَيُوحِيَ بِفَتْحَةٍ عَلَى الْيَاءِ عَطْفًا عَلَى يُرْسِلَ.
وَمَا صدق مَا يَشاءُ كَلَامٌ، أَيْ فَيُوحِيَ كَلَامًا يَشَاؤُهُ اللَّهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ لِ (كَلَامًا) الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ، وَالرَّابِطُ هُوَ مَا يَشاءُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى:
كَلَامًا، فَهُوَ كَرَبْطِ الْجُمْلَةِ بِإِعَادَةِ لَفْظِ مَا هِيَ لَهُ أَوْ بِمُرَادِفِهِ نَحْوَ الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ:
1، 2] . وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ إِلَّا كَلَامًا مَوْصُوفًا بِأَنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ كَلَامًا يَشَاؤُهُ فَإِنَّ الْإِرْسَالَ نَوْعٌ مِنَ الْكَلَامِ الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ أَنْوَاعٌ لِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي يُخَاطِبُ بِهِ عِبَادَهُ.
وَذِكْرُ النَّوْعَيْنِ: الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إِضَافَةَ الْكَلَامِ الْمُنَوَّعِ إِلَيْهَا إِلَى اللَّهِ أَوْ إِسْنَادَهُ إِلَيْهِ حَيْثُمَا وَقَعَ فِي أَلْفَاظِ الشَّرِيعَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التَّوْبَة: 6] وَقَوْلِهِ: قالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ برسالتي وبكلامي [الْأَعْرَاف: 144] وَقَوْلُهُ:
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاء: 164] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ هِيَ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ اللَّهُ إِيجَادًا بِخَرْقِ الْعَادَةِ لِيَكُونَ بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ أَلْفَاظِهِ مُرَادٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَقْصُودٌ لَهُ كَمَا سُمِّيَ الرُّوحُ الَّذِي تَكَوَّنَ بِهِ عِيسَى رُوحَ اللَّهِ لِأَنَّهُ تَكَوَّنَ عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ، فَاللَّهُ خَلَقَ الْكَلَامَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ خَلْقًا غَيْرَ جَارٍ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ فِي تَكْوِينِ الْكَلَامِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ إِعْلَامَهُمْ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَدْلُولَاتِ ذَلِكَ الْكَلَامِ بِآيَةِ أَنَّهُ خَرَقَ فِيهِ عَادَةَ إِيجَادِ الْكَلَامِ فَكَانَ إِيجَادًا غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ مِنْ عِلَلٍ وَأَسْبَابٍ عَادِيَّةٍ فَهُوَ كَإِيجَادِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِيجَادِ آدَمَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْ عِلَلٍ وَأَسْبَابٍ فِطْرِيَّةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِلَهِيَّةِ لَا تَقْتَضِي لِذَاتِهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا كَمَا تَقْتَضِي أَنَّهُ وَاحِدٌ حَيٌّ عَالِمٌ قَدِيرٌ مُرِيدٌ، وَمَنْ حَاوَلَ جَعَلَ صِفَةَ الْكَلَامِ مِنْ مُقْتَضَى الْإِلَهِيَّةِ عَلَى تَنْظِيرِ الْإِلَهِ بِالْمُلْكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُلْكَ يَقْتَضِي مُخَاطَبَةَ الرَّعَايَا بِمَا يُرِيدُ الْمَلِكُ مِنْهُمْ، فَقَدْ جَاءَ بِحُجَّةٍ خَطَابِيَّةٍ، بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الَّذِي اقْتَضَى إِثْبَاتَ كَلَامِ اللَّهِ هُوَ