وَابْتُدِئَتْ بِ قُلْ إِمَّا لِأَنَّهَا جَوَابٌ عَنْ كَلَامٍ صَدَرَ مِنْهُمْ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا مِمَّا يَهْتَمُّ بِإِبْلَاغِهِ إِلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ نَظَائِرَهَا افْتُتِحَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ: 47] وَقَوْلِهِ: قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86] وَقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً (?) [الْأَنْعَام: 90] .
وَضمير عَلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمَقَامِ.
وَالْأَجْرُ: الْجَزَاءُ الَّذِي يُعْطَاهُ أَحَدٌ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [22] .
وَالْمَوَدَّةُ: الْمَحَبَّةُ وَالْمُعَامَلَةُ الْحَسَنَةُ الْمُشْبِهَةُ مُعَامَلَةَ الْمُتَحَابِّينَ، وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [25] . وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُعَامَلَةَ الْمَوَدَّةِ، أَيِ الْمُجَامَلَةِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تُسْأَلُ لِأَنَّهَا انْبِعَاثٌ وَانْفِعَالٌ نَفْسَانِيٌّ.
وفِي للظرفية المجازية لِأَنَّهُ مَجْرُورَهَا وَهُوَ الْقُرْبى لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مَظْرُوفًا فِيهِ.
وَمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ هُنَا: التَّعْلِيلُ، وَهُوَ مَعْنًى كَثِيرُ الْعُرُوضِ لِحَرْفِ فِي كَقَوْلِهِ: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ [الْحَج: 78] .
والْقُرْبى: اسْمُ مَصْدَرٍ كَالرُّجْعَى وَالْبُشْرَى، وَهِيَ قَرَابَةُ النَّسَبِ، قَالَ تَعَالَى:
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [الْإِسْرَاء: 26] ، وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَظُلْمُ ذَوِي الْقُرْبَى أشدّ مُضَافَة ... الْبَيْتَ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِذِي الْقُرْبى فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [41] .
وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَظْمُهَا: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى الْقُرْآنِ جَزَاءً إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي، أَيْ أَنْ تُعَامِلُونِي مُعَامَلَةَ الْوُدِّ، أَيْ غَيْرَ مُعَامَلَةِ الْعَدَاوَةِ، لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَنَا فِي النَّسَبِ الْقُرَشِيِّ.