وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ أَلا الَّذِي هُوَ لِلتَّنْبِيهِ لِقَصْدِ الْعِنَايَةِ بِالْكَلَامِ.
وَالْمُمَارَاةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْمِرْيَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ الشَّكُّ. وَالْمُمَارَاةُ: الْمُلَاحَّةُ لِإِدْخَالِ الشَّكِّ عَلَى الْمُجَادِلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تُمارِ فِيهِمْ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [22] .
وَجَعَلَ الضَّلَالَ كَالظَّرْفِ لَهُمْ تَشْبِيهًا لِتَلَبُّسِهِمْ بالضلال بِوُقُوع بالمظروف فِي ظَرْفِهِ، فَحَرْفُ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ.
وَوَصْفُ الضَّلَالَ بِالْبَعِيدِ وَصْفٌ مَجَازِيٌّ، شَبَّهَ الْكُفْرَ بِضَلَالِ السَّائِرِ فِي طَرِيقٍ وَهُوَ يَكُونُ أَشَدَّ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ بَعِيدًا، وَذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ عُسْرِ إِرْجَاعِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ.
وَالْمَعْنَى: لَفِي ضَلَالٍ شَدِيدٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً فِي سُورَة النِّسَاء [116] .
[19]
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِجُمْلَةِ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ [الشورى: 20] لِأَنَّ مَا سَيُذْكَرُ فِي الْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ لُطْفِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَمَا يَسَّرَ مِنَ الرِّزْقِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ وَالْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ مَا خَصَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رِزْقِ الْآخِرَةِ، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا مُقَدَّمَةٌ لِاسْتِئْنَافِ الْجُمْلَةِ الْمُوَطَّأِ لَهَا، وَهِيَ جُمْلَةُ مَنْ كانَ
يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
الْآيَة [الشورى: 20] . وَمَوْقِعُ جُمْلَةِ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ إِلَخْ فَسَنُبَيِّنُهُ.
وَاللَّطِيفُ: الْبَرُّ الْقَوِيُّ الْبِرُّ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النِّعَمِ. فَسَّرَ عَدَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ اللَّطِيفَ بِوَاهِبِ بَعْضِهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ تَمْثِيلٍ لَا يَخُصُّ دَلَالَةَ الْوَصْفِ بِهِ. وَفِعْلُ (لَطَفَ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ كَمَا هُنَا وَبِاللَّامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [100] . وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى اسْمِهِ تَعَالَى اللَّطِيفِ.