أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ [النَّحْل: 17] وَقَالَ: لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [النَّحْل: 20] وَقَالَ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ [الْحَج: 73] . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا تَعْرِيضٌ بِإِبْلَاغِهِ إِلَى مَسَامِعِ الْمُشْرِكِينَ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتَ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى عُطِفَتِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا مِثْلُهَا فِي إِفَادَةِ الْحُكْمِ، وَكَانَتْ إِفَادَةُ التَّعْلِيلِ بِهَا حَاصِلَةً مِنْ مَوْقِعِهَا عَقِبَهَا، وَلَوْ أُرِيدَ التَّعْلِيلُ ابْتِدَاءً لَفُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلم تعطف.
[10]
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَكْمِلَةً لِلِاعْتِرَاضِ فَيَكُونَ كَلَامًا مُوَجَّهًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى النَّاسِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ مُتَّصِلًا بَقَوْلِهِ: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذَا الْكَلَامِ لِمُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ ضَمَائِرَ رَبِّي، وتَوَكَّلْتُ، وأُنِيبُ ضَمَائِرُهُ، وَتِلْكَ الضَّمَائِرُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَعُودَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَلَا حَظَّ فِي سِيَاقِ الْوَحْيِ إِلَى أَحَدٍ سوى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ فِعْلِ أَمْرٍ بِقَوْلٍ يَقُوله النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الْكَلَامَ مُوَجَّهٌ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ. وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ فِعْلَ أَمْرٍ بِالْقَوْلِ، وَحَذْفُ الْقَوْلِ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ بِدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ لِأَنَّ مَادَّةَ الِاخْتِلَافِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ وَحَالَةَ الْفَرِيقَيْنِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْكَافِرُونَ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَالنَّفْعِ وَالْإِضْرَارِ.
ومِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِإِبْهَامِ مَا، أَيْ أَيُّ شَيْءٍ اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، وَالْمُرَادُ: مِنْ أَشْيَاء الدّين وشؤون اللَّهِ تَعَالَى.
وَضَمِيرُ فَحُكْمُهُ عَائِدٌ إِلَى مَا اخْتَلَفْتُمْ عَلَى مَعْنَى: الْحُكْمُ بَيْنَكُمْ فِي شَأْنِهِ إِلَى اللَّهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَتَّضِحُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ حِينَ يَرَوْنَ الثَّوَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعِقَابَ لِلْمُشْرِكِينَ، فَيَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ فِيمَا كَانُوا يَزْعُمُونَ.