قَرِينَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونًا
وَالْإِذَاقَةُ: تَخْيِيلٌ مِنْ مُلَائِمَاتِ الطَّعَامِ الْمُشَبَّهِ بِهِ.
وَالْخِزْيُ: الذُّلُّ. وَإِضَافَةُ عَذابَ إِلَى الْخِزْيِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى، أَيْ أَشَدُّ إِخْزَاءً مِنْ إِخْزَاءِ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخِزْيَ وَصْفٌ لِلْعَذَابِ مِنْ بَابِ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ أَوِ اسْمِ الْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْعَذَابِ مُخْزِيًا لِلَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ. وَمَعْنَى كَوْنِ الْعَذَابِ مُخْزِيًا: أَنَّهُ سَبَبُ خِزْيٍ فَوَصْفُ الْعَذَابِ بِأَنَّهُ خِزْيٌ بِمَعْنَى مُخْزٍ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَيُقَدَّرُ قَبْلَ الْإِضَافَةِ: لِنُذِيقَهُمْ عَذَابًا خِزْيًا، أَيْ مُخْزِيًا، فَلَمَّا أُرِيدَتْ إِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ قِيلَ:
عَذابَ الْخِزْيِ، لِلْمُبَالَغَةِ أَيْضًا لِأَنَّ إِضَافَةَ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ مُبَالَغَةٌ فِي الِاتِّصَافِ حَتَّى جُعِلَتِ الصِّفَةُ بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ آخَرَ يُضَافُ إِلَيْهِ الْمَوْصُوفُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مُحَسِّنِ التَّجْرِيدِ
فَحَصَلَتْ مُبَالَغَتَانِ فِي قَوْلِهِ: عَذابَ الْخِزْيِ مُبَالَغَةُ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ، وَمُبَالَغَةُ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ.
وَجُمْلَةُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يَحْسَبَ السَّامِعُونَ أَنَّ حَظَّ أُولَئِكَ مِنَ الْعِقَابِ هُوَ عَذَابُ الْإِهْلَاكِ بِالرِّيحِ فَعَطَفَ عَلَيْهِ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَخْزَى، أَيْ لَهُمْ وَلِكُلِّ مَنْ عُذِّبَ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَأَخْزَى: اسْمُ تَفْضِيلٍ جَرَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: أَشَدُّ إِخْزَاءً، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: خَزَاهُ، بِمَعْنَى أَخْزَاهُ، أَيْ أَهَانَهُ، وَمِثْلُ هَذَا فِي صَوْغِ اسْمِ التَّفْضِيلِ كَثِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ تَذْيِيلٌ، أَيْ لَا يَنْصُرُهُمْ مَنْ يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ، وَلَا مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، وَلَا مَنْ يُخْرِجُهُمْ مِنْهُ بعد مهلة.