تَصَرُّفِهِ فِي الْآخِرَةِ لِنَهْيِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ،
وَقَوْلِهِ: «إِنَّمَا يُعَذِّبُ بِهَا رَبُّ الْعِزَّةِ»
. وَجُمْلَةُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَعْناقِهِمْ أَوْ مِنْ ضَمِيرِ يَعْلَمُونَ. وَالسَّحْبُ: الْجَرُّ، وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْإِيلَامِ وَالْإِهَانَةِ. وَالْحَمِيمُ: أَشَدُّ الْحَرِّ.
وَ (ثُمَّ) عَاطِفَةٌ جُمْلَةَ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ عَلَى جُمْلَةِ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ. وَشَأْنُ (ثُمَّ) إِذَا عَطَفَتِ الْجُمَلَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ احْتِرَاقَهُمْ بِالنَّارِ أَشَدُّ فِي تَعْذِيبِهِمْ مِنْ سَحْبِهِمْ عَلَى النَّارِ، فَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي وَصْفِ التَّعْذِيبِ الَّذِي أُجْمِلَ بِقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَالسَّجْرُ بِالنَّارِ حَاصِلٌ عَقِبَ السَّحْبِ سَوَاءٌ كَانَ بِتَرَاخٍ أَمْ بِدُونِهِ.
وَالسَّجْرُ: مَلْءُ التَّنُّورِ بِالْوَقُودِ لِتَقْوِيَةِ النَّارِ فِيهِ، فَإِسْنَادُ فِعْلِ يُسْجَرُونَ إِلَى ضمير هم إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ الَّذِي يُسْجَرُ هُوَ مَكَانُهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ، فَأُرِيدَ بِإِسْنَادِ الْمَسْجُورِ إِلَيْهِمُ الْمُبَالَغَةُ فِي تَعَلُّقِ السَّجْرِ بِهِمْ، أَوْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ بِتَشْبِيهِهِمْ بِالتَّنُّورِ فِي اسْتِقْرَارِ النَّارِ بِبَاطِنِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الْحَج: 20] .
[73- 76]
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
(ثُمَّ) هَذِهِ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُقَالُ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مِمَّا وَقَعَ فِي آخِرِ الْقَوْلِ: ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ، وَدُخُولُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ قَبْلَ السَّحْبِ فِي حَمِيمِهَا وَالسَّجْرِ فِي نَارِهَا. وَهَذَا الْقِيلُ ارْتِقَاءٌ فِي تَقْرِيعِهِمْ