يَظْلِمَ عِبَادَهُ وَلَكِنَّهُمْ يَظْلِمُونَ أنفسهم بِاتِّبَاع أئمتهم عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يُونُس: 44] وبظلمهم دعاتهم وأئمتهم كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101] ، فَلَمْ يَخْرُجْ تَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ مَهْيَعِ اسْتِعْمَالِهِ فِي إِفَادَةِ قَصْرِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فَتَأَمّله.
[32- 33]
وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33)
أَعْقَبَ تَخْوِيفَهُمْ بِعِقَابِ الدُّنْيَا الَّذِي حَلَّ مَثَلُهُ بِقَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِأَنْ خَوَّفَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ عَاطِفًا جُمْلَتَهُ عَلَى جُمْلَةِ عَذَابِ الدُّنْيَا.
وَأَقْحَمَ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ نِدَاءَ قَوْمِهِ لِلْغَرَضِ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا.
ويَوْمَ التَّنادِ هُوَ يَوْمَ الْحِسَابِ وَالْحَشْرِ، سُمِّيَ يَوْمَ التَّنادِ لِأَنَّ الْخَلْقَ يَتَنَادُونَ يَوْمَئِذٍ: فَمِنْ مُسْتَشْفِعٍ وَمِنْ مُتَضَرِّعٍ وَمن مسلّم ومهنّىء وَمِنْ مُوَبِّخٍ وَمِنْ مُعْتَذِرٍ وَمِنْ آمِرٍ وَمِنْ مُعْلِنٍ بِالطَّاعَةِ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يُنادِيهِمْ [فصلت: 47] ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت:
44] ، وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ [الْأَعْرَاف: 44] ، وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَاف: 50] ، يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الْإِسْرَاء: 71] ، دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً [الْفرْقَان: 13] ، يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ [الْقَمَر: 6] وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَمِنْ بَدِيعِ الْبَلَاغَةِ ذِكْرُ هَذَا الْوَصْفِ لِلْيَوْمِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِيُذَكِّرَهُمْ أَنَّهُ فِي مَوْقِفِهِ بَيْنَهُمْ يُنَادِيهِمْ بِ (يَا قَوْمِ) نَاصِحًا وَمُرِيدًا خَلَاصَهُمْ مِنْ كُلِّ نِدَاءٍ مُفْزِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَأْهِيلَهُمْ لِكُلِّ نِدَاءٍ سَارٍّ فِيهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَوْمَ التَّنادِ بِدُونِ يَاءٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَوَّنٍ وَلَكِنْ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمَنُونِ لِقَصْدِ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَوَاصِلِ، كَقَوْلِ التَّاسِعَةِ مِنْ نِسَاءِ