الِاسْتِفْهَامِ، وَحُذِفَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ مِنْ فِعْلِ (اتَّخَذْنَا) لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَجُمْلَةُ أَتَّخَذْناهُمْ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَنا لَا نَرى رِجالًا. وأَمْ حَرْفُ إِضْرَابٍ، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ زَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارُنَا.
وَالزَّيْغُ: الْمَيلُ عَنِ الْجِهَةِ، أَيْ مَالَتْ أَبْصَارُنَا عَنْ جِهَتِهِمْ فَلَمْ تَنْظُرْهُمْ.
وَ (الْ) فِي الْأَبْصارُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ أَبْصَارُنَا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَكَانَ تَحْقِيرُنَا إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا خَطَأٌ. وَكُنِّيَ عَنْهُ بِاتِّخَاذِهِمْ سُخْرِيًّا لِأَنَّ فِي فِعْلِ أَتَّخَذْناهُمْ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِلسُّخْرِيَةِ، وَهَذَا تَنَدُّمٌ مِنْهُمْ عَلَى الِاسْتِسْخَارِ بِهِمْ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ أَتَّخَذْناهُمْ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةُ رِجالًا ثَانِيَةٌ وَعَلَيْهِ تَكَونُ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ لِلْإِضْرَابِ عَنْ قَوْلِهِمْ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَيْ بَلْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ.
وَالسُّخْرِيُّ: اسْمُ مَصْدَرِ سَخِرَ مِنْهُ، إِذَا اسْتَهْزَأَ بِهِ، فَالسُّخْرِيُّ الِاسْتِهْزَاءُ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَدَّةِ الِاسْتِهْزَاءِ لِأَنَّ يَاءَهُ فِي الْأَصْلِ يَاءُ نَسَبٍ وَيَاءُ النَّسَبِ تَأْتِي لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ بِضَمِّ السِّينِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ.
[64]
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
تَذْيِيلٌ وَتَنْهِيَةٌ لِوَصْفِ حَالِ الطَّاغِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَعَذَابِهِمْ، وَجِدَالِهِمْ. وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ مَنْظُورٌ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ الْخَبَرَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِوَعِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَإِثْبَاتِ حَشْرِهِمْ وَجَزَائِهِمْ بِأَنَّهُ حَقٌّ، أَيْ ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ [الذاريات: 6] .