الشِّرْكِ وَمَلَّتِهِ، وَقَدْ تَمَتَّعُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَتَّعَ بِهَا الصَّالِحُونَ فَلَا جَرَمَ اسْتَحَقُّوا جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ.
وَلَفْظُ: «وَيْلٌ» يَدُلُّ عَلَى أَشَدِّ السُّوءِ. وَكَلِمَةُ: وَيْلٌ لَهُ، تُقَالُ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ شِدَّةِ سُوءِ حَالَةِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ، وَهِيَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ عَذَابِهِمْ فِي النَّارِ. ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [الْبَقَرَة: 79] ،
وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ شَرِبَ دَمَ حِجَامَتِهِ: «وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ للنَّاس مِنْك»
. [28]
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
أَمْ مُنْقَطِعَةٌ أَفَادَتْ إِضْرَابًا انْتِقَالِيًّا وَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ثُبُوتِ الْبَعْثِ وَبَيَانٌ لِمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِالْحَقِّ، بَعْدَ أَنْ سِيقَ ذَلِكَ بِوَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ الْجُمَلِيِّ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الِانْتِقَالُ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص:
27] فَلِأَجْلِ ذَلِكَ بُنِيَ عَلَى اسْتِفْهَامٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ أَمْ وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ اسْتِعْمَالِهَا، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ. وَالْمَعْنَى: لَوِ انْتَفَى الْبَعْثُ وَالْجَزَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ لَاسْتَوَتْ عِنْدَ اللَّهِ أَحْوَالُ
الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالُ الْمُفْسِدِينَ.
وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: كَالْمُفْسِدِينَ لِلتَّسْوِيَةِ. وَالْمَعْنَى: إِنْكَارُ أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً فِي جَعْلِ اللَّهِ، أَيْ إِذَا لَمْ يُجَازِ كُلَّ فَرِيقٍ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَالْمُشَاهَدُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خِلَافُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ فِي عَالَمٍ آخَرَ وَهُوَ الَّذِي يُسْلَكُ لَهُ النَّاسُ بَعْدَ الْبَعْثِ. وَقَدْ أُخِذَ فِي الِاسْتِدْلَالِ جَانِبُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَبَيْنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مُتَسَاوِينَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي النِّعْمَةِ أَوْ فِي التَّوَسُّطِ أَوْ فِي الْبُؤْسِ وَالْخَصَاصَةِ، فَحَالَةُ الْمُسَاوَاةِ كَافِيَةٌ لِتَكُونَ مَنَاطَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ ظَنِّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حَالَةٍ أُخْرَى أَوْلَى