فَجُمْلَةُ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ فَاسْتَفْتِهِمْ. وَضَمِيرُ لِرَبِّكَ مُخَاطَبٌ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِكَايَةٌ لِلِاسْتِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَفْتَاهُمْ يَقُولُ: أَلِرَبِّكُمُ الْبَنَاتُ، وَكَذَلِكَ ضَمِيرُ وَلَهُمُ مَحْكِيٌّ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقُولُ لَهُمْ: وَلَكُمُ الْبَنُونَ. وَهَذَا التَّصَرُّفُ يَقَعُ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ وَنَحْوِهُ مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ مثل الاستفتاء.
[150]
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150)
أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى (بَلْ) وَهِيَ لَا يُفَارِقُهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فَالْكَلَامُ بَعْدَهَا مُقَدَّرٌ
بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ بَلْ أَخَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا. وَضَمِيرُ خَلَقْنَا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ وَهُوَ إِذَا اسْتَفْتَاهُمْ يَقُولُ لَهُمْ: أَمْ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ وَتَعْجِيبِيٌّ مِنْ جُرْأَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ بِلَا عِلْمٍ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ شاهِدُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَهِيَ قَيْدٌ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ كَانُوا حَاضِرِينَ حِينَ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ فَشَهِدُوا أُنُوثَةَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ لِأَمْثَالِهِمْ إِلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ إِذْ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِعِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا الْمُشَاهَدَةُ. وَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الْقَاطِعِ فَذَلِكَ مَا سَيَنْفِيهِ بِقَوْلِهِ: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ [الصافات: 156] ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أُنُوثَةَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَتْ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ.
وَضَمِيرُ: وَهُمْ شاهِدُونَ مَحْكِيٌّ بِالْمَعْنَى فِي الِاسْتِفْتَاءِ. وَالْأَصْلُ: وَأَنْتُمْ شَاهِدُونَ، كَمَا تقدم آنِفا.
[151- 152]
أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152)
ارْتِقَاءٌ فِي تَجْهِيلِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُسْتَحِيلَ فَضْلًا عَلَى الْقَوْلِ بِلَا دَلِيلٍ فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ إِفْكًا. وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمَلِ الِاسْتِفْتَاءِ.