الدَّرَجَةِ، اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِ الْعِبَادِ بِالْمُؤْمِنِينَ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْإِيمَانِ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيُقْلِعَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الشِّرْكِ. وَهَذِهِ نِعْمَةٌ تَاسِعَةٌ. وَأُقْحِمَ مَعَهَا مِنْ عِبادِنَا لِتَشْرِيفِهِ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ [الصافات: 40- 41] وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَاشِرَةٌ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِ الْإِيمَانِ.
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِبْرَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَا حَلَّ بِقَوْمِ نوح وتسلية للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعْلُ نُوحٍ قُدْوَةً لَهُ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَ نُوحًا عَلَى قَوْمِهِ وَيُنْجِيهِ مِنْ أَذَاهُمْ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ. وثُمَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي الرَّتْبِيَّيْنِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهَا فِي الْكَلَامِ هُوَ مِمَّا حَصَلَ بَعْدَ مَضْمُونِ جُمْلَتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ، وَمَعْنَى التَّرَاخِي الرَّتْبِيِّ هُنَا أَنَّ إِغْرَاقَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ مَعَ نَجَاتِهِ وَنَجَاةِ أَهْلِهِ، أَعْظَمُ رُتْبَةً فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَالدَّلَالَةِ عَلَى وَجَاهَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ.
وَمَعْنَى الْآخَرِينَ مَنْ عَدَاهُ وَعَدَا أَهْلَهَ، أَيْ بَقِيَّةُ قَوْمِهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِالْآخَرِينَ ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِقَارِ. وَمِمَّا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: «إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى» يَعْنِي نَفْسَهَ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ.
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ وَقِصَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً فِي آلِ عِمْرَانَ [33] ، وَفِي الْأَعْرَافِ، وَفِي سُورَةِ هُودٍ، وَذِكْرُ سَفِينَتِهِ فِي أَوَّلِ سُورَة العنكبوت.
[83- 87]
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87)
تَخَلَّصَ إِلَى حِكَايَةِ مَوْقِفِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْمِهِ فِي دَعْوَتِهِمْ إِلَى التَّوْحِيدِ