وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّعْجِيبُ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ اخْتُصَّ بِكُمْ، فَ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ ولَكُمْ خَبَرٌ عَنْهُ.

وَجُمْلَةُ لَا تَناصَرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمْ وَهِيَ مَنَاطُ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تَسْتَوْجِبُ التَّعَجُّبَ مِنْ عَدَمِ تَنَاصُرِكُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا تَناصَرُونَ بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. وَقَرَأَهُ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى إِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى.

وَالْإِضْرَابُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ بَلْ إضراب لإبطال إِمْكَان التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَهَّمُهُ السَّمْعُ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِضْرَابُ تَأْكِيدًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ التَّعْجِيزِ.

وَالِاسْتِسْلَامُ: الْإِسْلَامُ الْقَوِيُّ، أَيْ إِسْلَامُ النَّفْسِ وَتَرْكُ الْمُدَافَعَةِ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي أَسْلَمَ.

وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِإِظْهَارِ النِّكَايَةِ بِهِمْ، أَيْ زَالَ عَنْهُمْ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ تَنَاصُرٍ وَتَطَاوُلٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْيَوْمِ، أَيْ فِي الدُّنْيَا إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [الْقَمَر: 44] وَقَدْ قَالَهَا أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، أَيْ نَحْنُ جَمَاعَةٌ لَا تُغْلَبُ فَكَانَ لِذِكْرِ الْيَوْمِ وَقْعٌ بَدِيعٌ فِي هَذَا الْمقَام.

[27- 32]

[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31)

فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32)

عَطْفٌ على مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 26] أَيِ اسْتَسْلَمُوا وَعَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِاللَّائِمَةِ وَالْمُتَسَائِلُونَ: الْمُتَقَاوِلُونَ وَهُمْ زُعَمَاءُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَدَهْمَاؤُهُمْ كَمَا تُبَيِّنُهُ حِكَايَةُ تَحَاوُرِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ وَقَوْلِهِ: فَأَغْوَيْناكُمْ إِلَخْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015