وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ حِفْظاً مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْآتِي بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيرِ: وَحَفِظْنَا، عَطْفًا عَلَى زَيَّنَّا، أَيْ حَفِظْنَا بِالْكَوَاكِبِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُبَرِّدِ. وَالْمَحْفُوظُ هُوَ السَّمَاءُ، أَيْ وَحَفِظْنَاهَا بِالْكَوَاكِبِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ.
وَلَيْسَ الَّذِي بِهِ الْحِفْظُ هُوَ جَمِيعُ الَّذِي بِهِ التَّزْيِينُ بَلِ الْعِلَّةُ مُوَزَّعَةٌ فَالَّذِي هُوَ زِينَةٌ مُشَاهَدٌ بِالْأَبْصَارِ، وَالَّذِي هُوَ حِفْظٌ هُوَ الْمُبَيَّنُ بِقَوْلِهِ: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات: 10] .
وَمَعْنَى كَوْنِ الْكَوَاكِبِ حِفْظًا مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْكَوَاكِبِ الشُّهُبَ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ عِنْدَ مُحَاوَلَتِهَا اسْتِرَاقَ السَّمْعِ فَتَفِرُّ الشَّيَاطِينُ خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهَا لِأَنَّهَا إِذَا أَصَابَتْ أَشْكَالَهَا اخْتَرَقَتْهَا فَتَفَكَّكَتْ فَلَعَلَّهَا تَزُولُ أَشْكَالُهَا بِذَلِكَ التَّفَكُّكِ فَتَنْعَدِمُ بِذَلِكَ قِوَامُ مَاهِيَّتِهَا أَوْ تَتَفَرَّقُ لَحْظَةً لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ فَتَتَأَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ فَإِنَّ تِلْكَ الشُّهُبَ الَّتِي تَلُوحُ للنَّاظِر قطعا لَا معة مِثْلَ النُّجُومِ جَارِيَةً فِي السَّمَاءِ إِنَّمَا هِيَ أَجْسَامٌ مَعْدِنِيَّةٌ تَدُورُ حول الشَّمْس وَعند مَا تَقْرُبُ إِلَى الْأَرْضِ تَتَغَلَّبُ عَلَيْهَا جَاذِبِيَّةُ الْأَرْضِ فَتَنْزِعُهَا مِنْ جَاذِبِيَّةِ الشَّمْسِ فَتَنْقَضُّ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ مَرْكَزِ الْأَرْضِ وَلِشِدَّةِ سُرْعَةِ انْقِضَاضِهَا تُولَدُ فِي الْجَوِّ الْكُرَوِيِّ حَرَارَةٌ كَافِيَةٌ لِإِحْرَاقِ الصِّغَارِ مِنْهَا وَتَحْمَى الْكِبَارُ مِنْهَا إِلَى دَرَجَةٍ مِنَ الْحَرَارَةِ تُوجِبُ لَمَعَانَهَا وَتَسْقُطُ حَتَّى تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْبَحْرِ غَالِبًا وَرُبَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الْبَرِّ، وَقَدْ يَعْثُرُ عَلَيْهَا بَعْضُ النَّاسِ إِذْ يَجِدُونَهَا وَاقِعَةً عَلَى الْأَرْضِ قِطَعًا مَعْدِنِيَّةً مُتَفَاوِتَةً وَرُبَّمَا أَحْرَقَتْ مَا تُصِيبُهُ مِنْ شَجَرٍ أَوْ مَنَازِلَ. وَقَدْ أُرِّخَ نُزُولُ بَعْضِهَا سَنَةَ (616) قَبْلَ مِيلَادِ الْمَسِيحِ بِبِلَادِ الصِّينِ فَكَسَرَ عِدَّةَ
مَرْكَبَاتٍ وَقَتَلَ رِجَالًا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْعَرَبُ فِي شِعْرِهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ قَالَ دَوْسُ بْنُ حَجَرٍ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا:
فَانْقَضَّ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ ... نَقْعٌ يَثُورُ تَخَالُهُ طُنُبَا
وَقَالَ بِشْرِ بن خازم أبي خَازِمٍ أَنْشَدَهُ الْجَاحِظُ فِي «الْحَيَوَانِ» :
وَالْعَيْرُ يُرْهِقُهَا الْخَبَارَ وَجَحْشُهَا ... ينْقض خلفهمَا انقضا الْكَوَاكِب (?)
وَفِي سَنَةِ (944) سُجِّلَ مُرُورُ كُرَيَّاتٍ نَارِيَّةٍ فِي الْجَوِّ أَحْرَقَتْ بُيُوتًا عِدَّةً.