الَّتِي أَخَذَتْهُمْ فَإِنْ كَانَت الصَّيْحَة صَيْحَة الْوَاقِعَةُ فَالْأَجْدَاثُ هِيَ مَا يَعْلُوهُمْ مِنَ التُّرَابِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ الصَّيْحَةِ وَالنَّفْخَةِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً إِذْ لَا يَبْقَى بَعْدَ تِلْكَ الصَّيْحَةِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ لِيُدْفِنَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّيْحَةُ صَيْحَةَ الْفَزَعِ إِلَى الْقَتْلِ فَالْأَجْدَاثُ عَلَى حَقِيقَتِهَا مِثْلُ قَلِيبِ بَدْرٍ.
وَمَعْنَى: إِلى رَبِّهِمْ إِلَى حُكْمِ رَبِّهِمْ وَحِسَابِهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ ب يَنْسِلُونَ.
[52]
قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ وَصْفَ هَذِهِ الْحَالِ بَعْدَ حِكَايَةِ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَإِحَالَتِهِمْ إِيَّاهُ يُثِيرُ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ مَقَالِهِمْ حينما يرَوْنَ حقية الْبَعْثِ.
وَيَا وَيْلَنا كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْوَاقِعُ فِي مُصِيبَةٍ أَوِ الْمُتَحَسِّرُ. وَالْوَيْلُ: سُوءُ الْحَالِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَاب عِنْد مَا بُعِثُوا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [79] .
وَحُكِيَ قَوْلُهُمْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي اتِّبَاعًا لِحِكَايَةِ مَا قَبْلَهُ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ.
وَحَرْفُ النِّدَاءِ الدَّاخِلُ عَلَى وَيْلَنا لِلتَّنْبِيهِ وَتَنْزِيلِ الْوَيْلِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَسْمَعُ فَيُنَادَى لِيَحْضُرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَتْ يَا وَيْلَتى فِي سُورَةِ هُودٍ [72] .
ومَنْ اسْتِفْهَامٌ عَنْ فَاعِلِ الْبَعْثِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّبِ وَالتَّحَسُّرِ مِنْ حُصُولِ الْبَعْثِ.
وَلَمَّا كَانَ الْبَعْثُ عِنْدَهُمْ مُحَالًا كَنَوْا عَنِ التَّعَجُّبِ مِنْ حُصُولِهِ بِالتَّعَجُّبِ مِنْ فَاعِلِهِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْغَرِيبَةَ تَتَوَجَّهُ الْعُقُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ فَاعِلِهَا لِأَنَّهُمْ لَمَّا بُعِثُوا وَأُزْجِيَ بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ عَلِمُوا أَنَّهُ بَعْثٌ فَعَلَهُ مَنْ أَرَادَ تَعْذِيبَهُمْ.
وَالْمَرْقَدُ: مَكَانُ الرُّقَادِ. وَحَقِيقَةُ الرُّقَادِ: النَّوْمُ. وَأَطْلَقُوا الرُّقَادَ عَلَى الْمَوْتِ وَالِاضْطِجَاعِ فِي الْقُبُورِ تَشْبِيهًا بِحَالَةِ الرَّاقِدِ.
ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنِ اسْتَحْضَرَتْ نُفُوسُهُمْ مَا كَانُوا يُنْذَرُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَاسْتَأْنَفُوا عَنْ