جَمِيعٌ لَدَيْنَا

مُحْضَرُونَ، لَمَّا كَانَ تَنَافٍ بَيْنَ «أَكْثَرِهِمْ» وَبَيْنَ «جَمِيعِهِمْ» أَيْ أَكْثَرُهُمْ يَحْضُرُ مُجْتَمِعِينَ فَارْتَفَعَ جَمِيعٌ عَلَى الخبرية فِي قراءات تَخْفِيفِ لَمَّا وَعَلَى الِاسْتِثْنَاء على قراءات تَشْدِيدِ لَمَّا. ومُحْضَرُونَ نَعَتٌ لِ جَمِيعٌ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ. وَرُوعِيَ فِي النَّعْتِ مَعْنَى الْمَنْعُوتِ فَأُلْحِقَتْ بِهِ عَلَامَةُ الْجَمَاعَةِ، كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:

عَرِيَتْ وَكَانَ بِهَا الْجَمِيعُ فَأَبْكَرُوا ... مِنْهَا وَغُودِرَ نُؤْيُهَا وَثُمَامُهَا

وَالْإِحْضَارُ: الْإِحْضَارُ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاء وَالْعِقَاب.

[33]

[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)

عُطِفَ عَلَى قِصَّةِ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ [يس: 13] فَإِنَّهُ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا لِحَالِ إِعْرَاضِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَالُ مِنْ إِشْرَاكٍ وَإِنْكَارٍ لِلْبَعْثِ وَأَذًى لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاقِبَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ. ثُمَّ أعقب ذَلِك بالتفصيل لِإِبْطَالِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الِاعْتِقَادَاتُ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَمِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ.

وَابْتُدِئَ بِدَلَالَةِ تَقْرِيبِ الْبَعْثِ لِمُنَاسَبَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ [يس: 32] عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَا تَخْلُو مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ، وَفِي ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ.

ووَ آيَةٌ مُبْتَدَأٌ ولَهُمُ صِفَةُ آيَةٌ، والْأَرْضُ خَبَرُ آيَةٌ، والْمَيْتَةُ صِفَةُ الْأَرْضُ. وَجُمْلَةُ أَحْيَيْناها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْأَرْضُ وَهِيَ حَالٌ مُقَيَّدَةٌ لِأَنَّ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ هُوَ منَاط الدّلَالَة عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ يَكُونُ جُمْلَةُ أَحْيَيْناها بَيَانًا لِجُمْلَةِ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ لِبَيَانِ مَوْقِعَ الْآيَةِ فِيهَا، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ، أَوِ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ: كَيْفَ كَانَتِ الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015