وَوَصَفَ الْآلِهَةَ الْمَزْعُومَةَ الْمَفْرُوضَةَ الِاتِّخَاذِ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ
بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ
. وَالْمَقْصُودُ: التَّعْرِيضُ بِالْمُخَاطَبِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ تِلْكَ الْآلِهَةِ بِعِلَّةِ أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَتُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى. وَقَدْ عَلِمَ مِنِ انْتِفَاءِ دَفْعِهِمُ الضُّرَّ أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ جَلْبِ نَفْعٍ لِأَنَّ دَوَاعِيَ دَفْعِ الضُّرِّ عَنِ الْمَوْلَى أَقْوَى وَأَهَمُّ، وَلَحَاقُ الْعَارِ بِالْوَلِيِّ فِي عَجْزِهِ عَنْهُ أَشَدُّ.
وَجَاءَ بِوَصْفِ الرَّحْمنِ دُونَ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِلْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ [يس: 15] .
وَالْإِنْقَاذُ: التَّخْلِيصُ مِنْ غَلَبٍ أَوْ كَرْبٍ أَوْ حَيْرَةٍ، أَيْ لَا تَنْفَعُنِي شَفَاعَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِي أَرَادَنِي بِضُرٍّ وَلَا يُنْقِذُونَنِي مِنَ الضُّرِّ إِذَا أَصَابَنِي.
وَإِذْ قَدْ نُفِيَ عَنْ شَفَاعَتِهِمُ النَّفْعُ لِلْمَشْفُوعِ فِيهِ فَقَدْ نُفِيَ عَنْهُمْ أَنْ يَشْفَعُوا بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشَفَّعُ لَا يَشْفَعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: آتخذ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، لِإِبْطَالِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ شُفَعَاءُ مَقْبُولُو الشَّفَاعَةِ. وَإِذْ كَانَتْ شَفَاعَتُهُمْ لَا تَنْفَعُ لِعَجْزِهِمْ وَعَدَمِ مُسَاوَاتِهِمْ لِلَّهِ الَّذِي يَضُرُّ وَيَنْفَعُ فِي صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ كَانَ انْتِفَاءُ أَنْ يُنْقِذُوا أَوْلَى. وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْعُدُولُ عَنْ دَلَالَةِ الْفَحْوَى إِلَى دَلَالَةِ الْمَنْطُوقِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَصْرِيحٍ لِتَعَلُّقِهِ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ أَسَاسُ الصَّلَاحِ.
وَجُمْلَةُ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ جَوَابٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. فَحَرْفُ إِذاً جَزَاءٌ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ، أَيْ إِنِ اتَّخَذَتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أَكُنْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
وَجُمْلَةُ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْغَايَةِ مِنَ الْخِطَابِ وَالنَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ. وَهَذَا إِعْلَانٌ لِإِيمَانِهِ وَتَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ رَبُّهُمْ لَا تِلْكَ الْأَصْنَامِ.
وَأُكِّدَ الْإِعْلَانُ بِتَفْرِيعِ فَاسْمَعُونِ اسْتِدْعَاءً لِتَحْقِيقِ أَسْمَاعِهِمْ إِنْ كَانُوا فِي غَفلَة.