فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا.
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً الْآيَةَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى جُمْلَةِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي تَعْرِيفِ الْمَكْرُ وَفِي المُرَاد ب بِأَهْلِهِ، أَيْ كَمَا مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَحَاقَ بِهِمْ مَكْرُهُمْ كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ.
ويَنْظُرُونَ هُنَا مِنَ النَّظَرِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ. كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
وَشُعْثٍ يَنْظُرُونَ إِلَى بَلِالٍ ... كَمَا نَظَرَ الْعِطَاشُ حَيَا الْغَمَامِ
فَقَوْلُهُ: «إِلَى» مُفْرَدٌ مُضَافٌ، وَهُوَ النِّعْمَة وَجمعه آلَاءُ.
وَمَعْنَى الِانْتِظَارِ هُنَا: أَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ قَبْلَهُمْ، فَشَبَّهَ لُزُومَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ بِالشَّيْءِ الْمَعْلُومِ لَهُمُ الْمُنْتَظَرِ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ.
وَالسُّنَّةُ: الْعَادَةُ: وَالْأَوَّلُونَ: هُمُ السَّابِقُونَ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، بِقَرِينَةِ سِيَاق الْكَلَام. وسُنَّتَ مَفْعُولُ يَنْظُرُونَ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. تَقْدِيرُهُ: مِثْلَ أَوْ قِيَاسَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [يُونُس:
102] .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا فَاءٌ فَصِيحَةٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمَّا ذَكَّرَ النَّاسَ بِسُنَّةِ اللَّهِ فِي الْمُكَذِّبِينَ أَفْصَحَ عَنِ اطِّرَادِ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
ولَنْ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ.
وَالْخِطَابُ فِي تَجِدُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَعُمُّ كُلَّ مُخَاطِبٍ، وَبِذَلِكَ يَتَسَنَّى أَنْ يُسِيرَ هَذَا الْخَبَرُ مَسِيرَ الْأَمْثَالِ. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
وَالتَّبْدِيلُ: تَغْيِيرُ شَيْءٍ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ