وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26)
أُعَقِبَ الثَّنَاءُ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَسْلِيَتِهِ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَتَأْنِيسِهِ بِأَنَّ تِلْكَ سُنَّةُ الرُّسُلِ مَعَ أُمَمِهِمْ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ سِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِ الْأُمَمِ جُعِلَتِ التَّسْلِيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِحَالِ الْأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ عَكْسَ مَا فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ [184] : فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ لِأَنَّ سِيَاقَ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ كَانَ فِي رَدِّ مُحَاوَلَةِ أَهْلِ
الْكِتَابِ إِفْحَامَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ قَبْلَهَا الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمرَان: 183] .
وَقَدْ خُولِفَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أُسْلُوبُ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ إِذْ قُرِنَ كُلٌّ مِنَ «الزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ» هُنَا بِالْبَاءِ، وَجُرِّدَا مِنْهَا فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ وَذَلِكَ لِأَنَّ آيَةَ آلِ عِمْرَانَ جَرَتْ فِي سِيَاقِ زَعْمِ الْيَهُودِ أَنْ لَا تُقْبَلَ مُعْجِزَةُ رَسُولٍ إِلَّا مُعْجِزَةَ قُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فَقِيلَ فِي التَّفَرُّدِ بِبُهْتَانِهِمْ: قَدْ كُذِّبَتِ الرُّسُلُ الَّذِينَ جَاءَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِأَصْنَافِ الْمُعْجِزَاتِ مِثْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِمْ قَرَابِينُ تَأْكُلُهَا النَّارُ فَكَذَّبْتُمُوهُمْ، فَتَرْكُ إِعَادَةِ الْبَاءِ هُنَالِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرُّسُلَ جَاءُوا بِالْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ هُنَا لِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ ابْتِلَاءُ الرُّسُلِ بِتَكْذِيبِ أُمَمِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الرُّسُلِ فَمِنْهُمُ الَّذِينَ أَتَوْا بِآيَاتٍ، أَيْ خَوَارِقِ عَادَاتٍ فَقَطْ مِثْلُ صَالِحٍ وَهُودٍ وَلُوطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَتَوْا بِالزُّبُرِ وَهِيَ الْمَوَاعِظُ الَّتِي يُؤْمَرُ بِكِتَابَتِهَا وَزَبْرِهَا، أَيْ تَخْطِيطِهَا لِتَكُونَ مَحْفُوظَةً وَتُرَدَّدَ عَلَى الْأَلْسُنِ كَزَبُورِ دَاوُدَ وَكُتُبِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ أَرْمِيَاءَ وَإِيلِيَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَاءُوا بِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ، يَعْنِي كِتَابَ الشَّرَائِعِ مِثْلَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، فَذكر الْبَاء مشير إِلَى تَوْزِيعِ أَصْنَافِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى أَصْنَافِ الرُّسُلِ.
فَزَبُورُ إِبْرَاهِيمَ صُحُفُهُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الْأَعْلَى:
19] .
وَزَبُورُ مُوسَى كَلَامُهُ فِي الْمَوَاعِظِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَبْلِيغٌ عَنِ اللَّهِ مِثْلَ دُعَائِهِ الَّذِي