لِلْجِنْسِ، أَيِ الْمَصِيرُ كُلُّهُ إِلَى اللَّهِ سَوَاءً فِيهِ مَصِيرُ الْمُتَزَكِّي وَمَصِيرُ غَيْرِ الْمُتَزَكِّي، أَيْ وَكُلٌّ يُجَازَى بِمَا يُنَاسِبُهُ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ لِلِاهْتِمَامِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَصِيرٌ إِلَى مَنِ اقْتَضَى اسْمُهُ الْجَلِيلُ الصِّفَاتِ الْمُنَاسِبَةَ لِإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَإِفَاضَةِ الْفَضْلِ مَعَ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
[19- 23]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23)
أَرْبَعَةُ أَمْثَالٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَلِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، شُبِّهَ الْكَافِرُ بِالْأَعْمَى، وَالْكُفْرُ بِالظُّلُمَاتِ، وَالْحَرُورُ وَالْكَافِرُ بِالْمَيِّتِ، وَشُبِّهَ الْمُؤْمِنُ بِالْبَصِيرِ وَشُبِّهَ الْإِيمَان بِالنورِ والظل، وَشُبِّهَ الْمُؤْمِنُ بِالْحَيِّ تَشْبِيهَ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ. فَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ قِلَّةَ نَفْعِ النِّذَارَةِ لِلْكَافِرِينَ وَأَنَّهَا لَا يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ ضَرَبَ لِلْفَرِيقَيْنِ أَمْثَالًا كَاشِفَةً عَنِ اخْتِلَافِ حَالَيْهِمَا، وَرُوعِيَ فِي هَذِهِ الْأَشْبَاهِ تَوْزِيعُهَا عَلَى صِفَةِ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَعَلَى حَالَةِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَعَلَى أَثَرِ الْإِيمَانِ وَأَثَرِ الْكُفْرِ.
وَقُدِّمَ تَشْبِيهُ حَالِ الْكَافِرِ وَكُفْرِهِ عَلَى تَشْبِيهِ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَإِيمَانِهِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَهَمَّ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ هُوَ تَفْظِيعُ حَالِ الْكَافِرِ ثُمَّ الِانْتِقَالُ إِلَى حُسْنِ حَالِ ضِدِّهِ لِأَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ جَاءَ لِإِيضَاحِ مَا أَفَادَهُ الْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [فاطر: 18] كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ قَصْرُ قَلْبٍ، فَالْكَافِرُ شَبِيهٌ بِالْأَعْمَى فِي اخْتِلَاطِ أَمْرِهِ بَيْنَ عَقْلٍ وَجَهَالَةٍ، كَاخْتِلَاطِ أَمْرِ الْأَعْمَى بَيْنَ إِدْرَاكٍ وَعَدَمِهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ يُدْرِكُ بِهِ الْأُمُورَ فَإِنَّ عَقْلَهُ تَمَحَّضَ لِإِدْرَاكِ أَحْوَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَانَ كَالْعَدَمِ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الرّوم: 7] ، فَحَالُهُ الْمُقَسَّمُ بَيْنَ انْتِفَاعٍ بِالْعَقْلِ وَعَدَمِهِ يُشْبِهُ حَالَ الْأَعْمَى فِي إِدْرَاكِهِ أَشْيَاءَ وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِ.
وَالْعَمَى يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الضَّلَالِ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: