الْمُقدمَات

الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

التَّفْسِيرُ مَصْدَرُ فَسَّرَ بِتَشْدِيدِ السِّينِ الَّذِي هُوَ مُضَاعَفُ فَسَرَ بِالتَّخْفِيفِ، مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَضَرَبَ الَّذِي مَصْدُرُهُ الْفَسْرُ، وَكِلَاهُمَا فِعْلٌ مُتَعَدٍّ فَالتَّضْعِيفُ لَيْسَ لِلتَّعْدِيَةِ. وَالْفَسْرُ الْإِبَانَةُ وَالْكَشْفُ لِمَدْلُولِ كَلَامٍ أَوْ لَفْظٍ بِكَلَامٍ آخَرَ هُوَ أَوْضَحُ لِمَعْنَى الْمُفَسَّرِ عِنْدَ السَّامِعِ، ثُمَّ قِيلَ الْمَصْدَرَانِ وَالْفِعْلَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى، وَقِيلَ يَخْتَصُّ الْمُضَاعَفُ بِإِبَانَةِ الْمَعْقُولَاتِ، قَالَهُ الرَّاغِبُ وَصَاحِبُ «الْبَصَائِرِ» ، وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَن بَيَان المعقولان يُكَلِّفُ الَّذِي يُبَيِّنُهُ كَثْرَةُ الْقَوْلِ، كَقَوْلِ أَوْسِ بْنِ حُجْرٍ (?) :

الْأَلْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الظَّ ... نَ كَأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا

فَكَانَ تَمَامُ الْبَيْتِ تَفْسِيرًا لِمَعْنَى الْأَلْمَعِيِّ، وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ الْمَنْطِقِيَّةُ الْمُفَسِّرَةُ لِلْمَوَاهِي وَالْأَجْنَاسِ، لَا سِيمَا الْأَجْنَاس الْعَالِيَة الْمُلَقَّبَةِ بِالْمَقُولَاتِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُخَصَّ هَذَا الْبَيَانُ بِصِيغَةِ الْمُضَاعَفَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَعَّلَ الْمُضَاعَفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْدِيَةِ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّكْثِيرِ مِنَ الْمَصْدَرِ، قَالَ فِي «الشَّافِيَةِ» : «وَفَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ غَالِبًا» وَقَدْ يَكُونُ التَّكْثِيرُ فِي ذَلِكَ مَجَازِيًّا وَاعْتِبَارِيًّا بِأَنْ يَنْزِلَ كَدُّ الْفِكْرِ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ، ثُمَّ فِي اخْتِيَارِ أَضْبَطِ الْأَقْوَالِ لِإِبَانَتِهَا مَنْزِلَةَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَتَفْسِيرِ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ (?) وَقَدْ سَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنِ الْبَلَاغَةِ فَقَالَ: «أَنْ تَقول فَلَا تخطىء، وَتُجِيبَ فَلَا تُبْطِئَ» ثُمَّ قَالَ لِسَائِلِهِ أَقلنِي: «لَا تخطىء وَلَا تُبْطِئُ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015