الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَوْ كَانَ نَاسِيا.
وَظَاهر حكايتهم عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَرْكَهَا إِنَّمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَ عَمْدًا وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ بَيَانًا لِلْإِجْمَالِ الَّذِي فِي الْأَمْرِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ، فَجَعَلُوا الْوَقْتَ هُوَ إِيقَاعُ الصَّلَاةِ لِلْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالتَّسْلِيمُ وَارِدٌ فِي التَّشَهُّدِ، فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَعَهُ عَلَى نَحْوِ مَا اسْتَدَلَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَأْخَذَهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَرِدْ فِي مَقَامِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مُجْمَلًا بِلَا دَلِيلٍ.
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ فِي الصَّلَاةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَهُوَ الَّذِي
جَرَى عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قُدْوَةً وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَمَلِ السَّلَفِ قَبْلَهُ، وَقَدْ شَنَّعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا. وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي علمه النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة على النبيء، كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا تُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ، وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ الصَّلَاة على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا سَنَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُسْتَحَبَّ.
وَأَمَّا
حَدِيثُ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»
فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ جَرَى ذِكْرُهُ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ فِي افْتِتَاحِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ، وَعِنْدَ الدُّعَاءِ، وَعِنْدَ سَمَاعِ الْآذَانِ، وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُؤَذِّنِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
وَفِي التَّوْطِئَةِ لِلْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيءِ بِذِكْرِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي يُصَلُّونَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّرْغِيبِ فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَسِّيًا بِصَلَاةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى النبيء كلما جرى ذُكِرَ اسْمُهُ وَلَا أَنْ يَكْتُبُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إِذَا كَتَبُوا اسْمَهُ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ مَبْدَأِ كِتَابَةِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.