إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)
أُعْقِبَتْ أَحْكَامُ مُعَاملَة أَزوَاج النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَشْرِيفِ مَقَامِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ جَارِيَةٌ عَلَى مُنَاسَبَةِ عَظمَة مقَام النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى أَنَّ لِأَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّشْرِيفِ حَظًّا عَظِيمًا. وَلِذَلِكَ كَانَتْ صِيغَةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الَّتِي عَلَّمَهَا لِلْمُسْلِمِينَ مُشْتَمِلَةً عَلَى ذِكْرِ أَزْوَاجِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَلِيُجْعَلَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بتكرير ذكر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَذُكِرَ صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ مَعَ صَلَاةِ اللَّهِ ليَكُون مِثَالا من صَلَاة أَشْرَفِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الرَّسُولِ لِتَقْرِيبِ دَرَجَةِ صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يُؤْمَرُونَ بِهَا عَقِبَ ذَلِكَ، وَالتَّأْكِيدُ لِلِاهْتِمَامِ. وَمَجِيءُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِتَقْوِيَةِ الْخَبَرِ، وَافْتِتَاحُهَا بِاسْمِ الْجَلَالَةِ لِإِدْخَالِ الْمَهَابَةِ وَالتَّعْظِيمِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ فِي هَذِه السُّورَة [43] . وَهَذِه صَلَاة خَاصَّة هِيَ أرفع صَلَاة مِمَّا شَمله قَوْله هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِأَنَّ عَظمَة مقَام النبيء يَقْتَضِي عَظَمَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَمَا قَبْلَهَا تَوْطِئَةٌ لَهَا وَتَمْهِيدٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْقَبَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ أَقْصَى حَظِّهِمْ مِنْ مُعَامَلَةِ رَسُولِهِمْ أَنْ يَتْرُكُوا أَذَاهُ بَلْ حَظُّهُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا، وَذَلِكَ هُوَ إكرامهم الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إِكْرَامِهِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ بِحَضْرَتِهِ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى، فَجُمْلَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ الْوَاقِعَةِ بعد التَّمْهِيد. وَجِيء فِي صَلَاةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ بِالْمُضَارِعِ الدَّالِّ عَلَى التَّجْدِيدِ وَالتَّكْرِيرِ لِيَكُونَ أَمْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ عَقِبَ ذَلِكَ مُشِيرًا إِلَى تَكْرِيرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ أُسْوَةً بِصَلَاةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ.
وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ: إِيجَادُ الصَّلَاةِ، وَهِيَ الدُّعَاء، فَالْأَمْر يؤول إِلَى إِيجَادِ أَقْوَالٍ فِيهَا دُعَاءٌ وَهُوَ مُجْمَلٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ.
وَالصَّلَاةُ: ذِكْرٌ بِخَيْرٍ، وَأَقْوَالٌ تَجْلِبُ الْخَيْرَ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الدُّعَاءُ هُوَ أَشْهَرَ