وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِبَنَاتِ الْعَمِّ وَبَنَاتِ الْعَمَّاتِ: نِسَاءُ قُرَيْشٍ، وَالْمُرَادُ بِبَنَاتِ الْخَالِ:

النِّسَاءُ الزُّهْرِيَّاتِ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ نَظَرِيٌّ مَحْضٌ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ عمل لِأَن النبيء قَدْ عُرِفَتْ أَزْوَاجُهُ.

وَقَوْلُهُ: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ صِفَةٌ عَائِدَةٌ إِلَى بَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ

خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ

كَشَأْنِ الصِّفَةِ الْوَارِدَةِ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ، وَهُوَ شَرْطُ تَشْرِيعٍ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا مِنْ قَبْلُ.

وَالْمَعِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ مَعِيَّةُ الْمُقَارِنَةِ فِي الْوَصْف الْمَأْخُوذ من فِعْلِ هاجَرْنَ فَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُنَّ قَدْ خَرَجْنَ مُصَاحِبَاتٍ لَهُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْهِجْرَةِ.

«الصِّنْفُ الثَّالِثُ» : امْرَأَةٌ تهب نَفسهَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ تَجْعَلُ نَفْسَهَا هِبَةً لَهُ دُونَ مَهْرٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَفْعَلْنَ مَعَ عُظَمَاءِ الْعَرَبِ، فَأَبَاحَ اللَّهُ لِلنَّبِيءِ أَنْ يَتَّخِذَهَا زَوْجَةً لَهُ بِدُونِ مَهْرٍ إِذَا شَاءَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك، فَهَذَا حَقِيقَةُ لَفْظِ وَهَبَتْ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْهِبَةِ: تَزْوِيجُ نَفْسِهَا بِدُونِ عِوَضٍ، أَيْ بِدُونِ مَهْرٍ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْهِبَةِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي صِيَغِ النِّكَاحِ إِذَا قَارَنَهَا ذِكْرُ صَدَاقٍ لِأَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ مَجَازٌ فِي النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الصَدَاق وَيصِح عقد النِّكَاحِ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا للشَّافِعِيّ.

فَقَوله: وَامْرَأَتَ عَطْفٌ عَلَى أَزْواجَكَ. وَالتَّقْدِيرُ: وَأَحْلَلْنَا لَكَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً.

وَالتَّنْكِيرُ فِي امْرَأَةً لِلنَّوْعِيَّةِ: وَالْمَعْنَى: وَنُعْلِمُكَ أَنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً بِقَيْدِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَكَ وَأَنْ تُرِيدَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا فَقَوْلُهُ: لِلنَّبِيءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. وَالْمَعْنَى: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ وَأَرَدْتَ أَنْ تَنْكِحَهَا. وَهَذَا تَخْصِيصٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ فَإِذَا وَهَبَتِ امْرَأَة نَفسهَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ نِكَاحَهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ ذَيْنِكَ الشَّرْطَيْنِ وَلِأَجْلِ هَذَا وُصِفَتْ امْرَأَةً بِ مُؤْمِنَةً لِيُعْلَمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَا عَدَا الْإِيمَانَ. وَقَدْ عُدَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ وَكَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُمَّ الْمَسَاكِينِ فِي اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ، وَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015