بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
هُوَ بِالرَّفْعِ خَبْرٌ لِمَحْذُوفٍ عَلَى طَرِيقَةِ حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِاتِّبَاعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: صُمٌّ بُكْمٌ [الْبَقَرَة: 18] وَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يُسَمُّونَهُ بِالنَّعْتِ الْمَقْطُوعِ.
وَالْبَدِيعُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِبْدَاعِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِنْشَاءِ الْمُنْشَآتِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَذَلِكَ هُوَ خَلْقُ أُصُولِ الْأَنْوَاعِ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ مُتَوَلِّدَاتِهَا، فَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ إِبْدَاعٌ وَخَلْقُ الْأَرْضِ إِبْدَاعٌ وَخَلْقُ آدَمَ إِبْدَاعٌ وَخَلْقُ نِظَامِ التَّنَاسُلِ إِبْدَاعٌ. وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ بَدَعَ الْمُجَرَّدِ مِثْلَ قَدَرَ إِذَا صَحَّ وَوَرَدَ بَدَعَ بِمَعْنَى قَدَرَ بِقِلَّةٍ أَوْ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ أَبْدَعَ وَمَجِيءُ فَعِيلٍ مِنْ أَفْعَلَ قَلِيلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرو بن معديكرب:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ (?)
يُرِيدُ الْمَسْمَعَ، وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَ
أَيْ كَأْسًا مَرْوِيَّةً. فَيَكُونُ هُنَا مِمَّا جَاءَ قَلِيلًا وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَة: 32] وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: بَشِيراً وَنَذِيراً [الْبَقَرَة: 119] . وَقَدْ قِيلَ فِي الْبَيْتِ تَأْوِيلَاتٌ مُتَكَلَّفَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ قَلِيلٌ حُفِظَ فِي أَلْفَاظٍ مِنَ الْفَصِيحِ غَيْرِ قَلِيلَةٍ مِثْلِ النَّذِيرِ وَالْبَشِيرِ إِلَّا أَنَّ قِلَّتَهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الْفَصَاحَةِ لِأَنَّ شُهْرَتَهُ تَمْنَعُ مِنْ جَعْلِهِ غَرِيبًا. وَأَمَّا كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوَلَّدِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ فِي مَادَّةٍ أُخْرَى.