وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ
قَوْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ... فَقَالَ: «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ»
. فَقَدْ وَهَمَ فِيهِ الشِّيعَةُ فَظَنُّوا أَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهَذِهِ جَهَالَة لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ أَن مَا سَأَلَتْهُ مِنَ الْحَاصِلِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهَا وَفِي ضَرَائِرِهَا، فَلَيْسَتْ هِيَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِلْحَاقِهَا بِهِمْ، فَالدُّعَاءُ لَهَا بِأَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنْهَا الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهَا دُعَاءٌ بِتَحْصِيلِ أَمْرٍ حَصَلَ وَهُوَ مُنَافٍ بِآدَابِ الدُّعَاءِ كَمَا حَرَّرَهُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدُّعَاءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالدُّعَاءِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، فَكَانَ جَوَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمًا لَهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «إِنَّكِ من أَزوَاج النبيء»
. وَهَذَا أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ
بِقَوْلِهِ: «إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ» .
وَلَمَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ دعاءه كَانَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْلِقُ أَهْلَ الْبَيْتِ عَلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَابْنَيْهِمَا، فَقَدْ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيُذْهِبَ لَامُ جَرٍّ تُزَادُ لِلتَّأْكِيدِ غَالِبًا بَعْدَ مَادَّتَيِ الْإِرَادَةِ وَالْأَمْرِ، وَيَنْتَصِبُ الْفِعْلُ الْمُضَارع بعْدهَا ب (أَن) مُضْمَرَةً إِضْمَارًا وَاجِبًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَام: 71] ، وَقَوْلُ كُثَيْرٌ:
أُرِيدُ لِأَنْسَى حُبَّهَا فَكَأَنَّمَا ... تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ مَكَانِ
وَعَنِ النَّحَاسِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ سَمَّاهَا (لَامَ أَنْ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [26] .
وَقَوْلُهُ: أَهْلَ الْبَيْتِ نِدَاءٌ لِلْمُخَاطَبِينَ من نسَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حَضْرَة النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ شَمِلَ كُلَّ من ألحق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِنَّ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ: فَاطِمَةُ وَابْنَاهَا وَزَوْجُهَا وَسَلْمَانُ لَا يعدو هَؤُلَاءِ.