ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
وَبَيَانُ تَأْوِيلِ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [54] .
وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ إِنْكَارٌ عَلَى عَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِهْمَالُهُمُ النَّظَرَ بِقَوْلِهِ: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ. وَالتَّذَكُّرُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الذُّكْرِ الَّذِي هُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَهُوَ التَّفَكُّرُ وَالنَّظَر بِالْعقلِ.
[5]
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
جُمْلَةُ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [السَّجْدَة: 4] ، أَيْ: خَلَقَ تِلْكَ الْخَلَائِقِ مُدَبِّرًا أَمْرَهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا، وَقَوْلُهُ مِنَ السَّماءِ مُتَعَلِّقٌ بِ يُدَبِّرُ أَوْ صِفَةٌ لِلْأَمْرِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ، ومِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ حَرْفَيِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ شُمُولُ تَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى الْأُمُورَ كُلَّهَا فِي الْعَالَمَيْنَ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ تَدْبِيرًا شَامِلًا لَهَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَفَادَ حَرْفُ الِانْتِهَاءِ شُمُولَ التَّدْبِيرِ لِأُمُورِ كُلِّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا.
وَالتَّدْبِيرُ: حَقِيقَتُهُ التَّفْكِيرُ فِي إِصْدَارِ فِعْلٍ مُتْقَنٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ دُبُرِ الْأَمْرِ، أَيْ: آخِرِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ النَّظَرُ فِي اسْتِقَامَةِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَنِهَايَةً. وَهُوَ إِذَا وُصِفَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى كِنَايَةً عَنْ لَازِمِ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ تَمَامُ الْإِتْقَانِ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ وَأَوَّلِ سُورَةِ الرَّعْدِ.
والْأَمْرَ: الشَّأْنُ لِلْأَشْيَاءِ وَنِظَامِهَا وَمَا بِهِ تَقَوُّمُهَا. وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ وَهُوَ مُفِيدٌ لِاسْتِغْرَاقِ الْأُمُورِ كُلِّهَا لَا يَخْرُجُ عَنْ تَصَرُّفِهِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَجَمِيعُ مَا نُقِلَ عَنْ سَلَفِ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرَ يَرْجِعُ إِلَى بَعْضِ هَذَا الْعُمُومِ.
وَالْعُرُوجُ: الصُّعُودُ. وَضَمِيرُ يَعْرُجُ عَائِدٌ عَلَى الْأَمْرَ، وَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ الِانْتِهَاءِ مُفِيدَةٌ أَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ الْمُدَبَّرَةَ تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَالْعُرُوجُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْمَصِيرِ إِلَى تَصَرُّفِ الْخَالِقِ دُونَ شَائِبَةِ تَأْثِيرٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الصُّورَةِ كَمَا فِي أَحْوَالٍ