أَيْ: حَالَةَ كَوْنِي مُلَابِسًا حَمْدَ اللَّهِ، أَيْ: غَيْرَ سَاخِطٍ مِنْ قَضَائِهِ، وَيُقَالُ: أَنْتَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، أَيْ: مُسْتِقَرٌّ. فَالتَّقْدِيرُ: ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْإِيلَاجِ وَالتَّسْخِيرِ مُلَابِسٌ لِحَقِّيَّةِ إِلَهِيَّةِ
اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ الْمَعْطُوفَانِ مَعْطُوفَيْنِ على الْمَجْرُور بِالْبَاء، أَيْ مُلَابِسٌ لِكَوْنِ اللَّهِ إِلَهًا حَقًّا، وَلِكَوْنِ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ بَاطِلَ الْإِلَهِيَّةِ وَلِكَوْنِ اللَّهِ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. وَالْمُلَابَسَةُ الْمُفَادَةُ بِالْبَاءِ هِيَ مُلَابَسَةُ الدَّلِيلِ لِلْمَدْلُولِ وَبِذَلِكَ يَسْتَقِيمُ النَّظْمُ بِدُونِ تَكَلُّفٍ، وَيَزْدَادُ وُقُوعُ جُمْلَةِ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ إِلَى آخِرِهَا فِي مَوْقِعِ النَّتِيجَةِ وُضُوحًا.
وَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ لِلِاخْتِصَاصِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [لُقْمَان: 26] .
والْعَلِيُّ: صِفَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْعُلُوِّ الْمَعْنَوِيِّ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الْقُدْسِيَّةُ وَالشَّرَفُ.
والْكَبِيرُ: وَصْفٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْكِبَرِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ عَظَمَةُ الشَّأْنِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [63] مَعَ زِيَادَةِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ.
[31- 32]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
اسْتِئْنَافٌ جَاءَ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِئْنَافَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [لُقْمَان: 20] وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ [لُقْمَان: 29] ، وَجِيءَ بِهَا غَيْرَ مُتَعَاطِفَةٍ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى مَا تخَلّل بَينهَا، وَجَاءَ هَذَا الِاسْتِئْنَافُ الثَّالِثُ دَلِيلًا ثَالِثًا عَلَى عَظِيمِ حِكْمَةِ اللَّهِ فِي نِظَامِ هَذَا الْعَالِمِ وَتَوْفِيقِ الْبَشَرِ لِلِانْتِفَاعِ بِمَا هَيَّأَهُ اللَّهُ لِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ. فَلَمَّا أَتَى الِاسْتِئْنَافَانِ الْأَوَّلَانِ عَلَى دَلَائِلِ صُنْعِ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاءَ فِي هَذَا الثَّالِثِ دَلِيلٌ عَلَى بَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ بِخَلْقِ الْبَحْرِ وَتَيْسِيرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي إِقَامَةِ نِظَامِ