بِ دَعْوَةً لِعَدَمِ اشْتِمَالِ الْمَصْدَرِ عَلَى فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ، وَهُوَ وَجِيهٌ وَكَفَاكَ بِذَوْقِ قَائِلِهِ. وَأَقُولُ: قَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: 44] . ومِنْ لِابْتِدَاءِ الْمَكَانِ، وَالْمَجْرُورُ ظَرْفُ لَغْوٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي دَعاكُمْ فَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَرْضِ مُتَعَلِّقًا بِ تَخْرُجُونَ قُدِّمَ عَلَيْهِ. وَهَذَا ذُكِرَ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ «الْوَقْفِ» ، وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَبْعَدُ عَنِ التَّكَلُّفِ، وَعَلَيْهِ فَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ تَعْرِيضًا بِخَطَئِهِمْ إِذْ أَحَالُوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ خُرُوجٌ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ بُعْدِ صَيْرُورَتِهِمْ فِيهَا فِي قَوْلِهِمُ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السَّجْدَة: 10] وَقَوْلِهِمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ [النَّمْل: 67] .
وَأَمَّا قَضِيَّةُ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ عَلَى إِذا الْفُجَائِيَّةِ فَإِذَا سَلِمَ عَدَمُ جَوَازِهِ فَإِنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْمَجْرُورِ وَالْمَظْرُوفِ مِنْ حَدِيثِ الْبَحْرِ، فَمِنَ الْعَجَبِ كَيْفَ سَدَّ بَابَ التَّوَسُّعِ فِيهِ صَاحِبُ «مُغْنِي اللَّبِيبِ» فِي الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْبَابِ الْخَامِسِ. وَجِيءَ بِحَرْفِ الْمُفَاجَأَةِ فِي قَوْلِهِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ لِإِفَادَةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِمْ إِلَى الْحَشْرِ كَقَوْلِهِ
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 13، 14] وإِذا الْفُجَائِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأً. وَجِيءَ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً لِإِفَادَةِ التَّقَوِّي الْحَاصِلِ مِنْ تَحَمُّلِ الْفِعْلِ ضَمِيرَ الْمُبْتَدَأِ فَكَأَنَّهُ أُعِيدَ ذِكْرُهُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» . وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ فِي ذَلِكَ الْخُرُوجِ كَقَوْلِهِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: 51] .
[26]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26)
أَتْبَعَ ذِكْرَ إِقَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالتَّذْكِيرِ بِأَنَّ كُلَّ الْعُقَلَاءِ فِي