أَنَّ فَرِيقًا آخَرَ ضِدَّهُمْ لِأَنَّ ذِكْرَ إِبْلَاسِ الْمُجْرِمِينَ يَوْمئِذٍ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ.

وَالتَّفَرُّقُ: انْقِسَامُ الْجَمْعِ وَتَشَتُّتُ أَجْزَاءِ الْكُلِّ. وَقَدْ كُنِّيَ بِهِ هُنَا عَنِ التَّبَاعُدِ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ يُلَازِمُهُ التَّبَاعُدُ عُرْفًا. وَقَدْ فُصِلَ التَّفَرُّقُ هُنَا بِقَوْلِهِ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِلَى آخِرِهِ.

وَالرَّوْضَةُ: كُلُّ أَرْضٍ ذَاتِ أَشْجَارٍ وَمَاءٍ وَأَزْهَارٍ فِي الْبَادِيَةِ أَوْ فِي الْجِنَانِ. وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ «أَحْسَنُ مِنْ بَيْضَةٍ فِي رَوْضَةٍ» يُرِيدُونَ بَيْضَةَ النَّعَامَةِ. وَقَدْ جَمَعَ مَحَاسِنَ الرَّوْضَةِ قَوْلُ الْأَعْشَى:

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحَزْنِ مُعْشَبَةٌ ... خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ (?) شَرِقٌ ... مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ

ويُحْبَرُونَ: يُسَرُّونَ مِنَ الْحُبُورِ، وَهُوَ السُّرُورُ الشَّدِيدُ. يُقَالُ: حَبَّرَهُ، إِذَا سَرَّهُ سُرُورًا تَهَلَّلَ لَهُ وَجْهُهُ وَظَهَرَ فِيهِ أَثَرُهُ.

ومُحْضَرُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِحْضَارِ، أَيْ: جَعْلِ الشَّيْءِ حَاضِرًا، أَيْ: لَا يَغِيبُونَ عَنْهُ، أَيْ: لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَهُوَ يُفِيدُ التَّأْيِيدَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْعَذابِ نَاسَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ وَصْفِهِمُ الْمُحْضَرِينَ أَنَّهُمْ كَائِنُونَ فِي

الْعَذَابِ لِئَلَّا يَكُونَ مُجَرَّدَ تَأْكِيدٍ بِمَدْلُولٍ فِي الظَّرْفِيَّةِ فَإِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْقَعُ مِنَ التَّأْكِيدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْضَرُونَ بِمَعْنَى مَأْتِيٌّ بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ فَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ اسْتِعْمَالُ مُحْضَرٍ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَى مُعَاقَبٍ، قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات: 158] ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِتِلْكَ الْعُقُوبَةِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .

وَكُتِبَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ وَلِقَائِي بِهَمْزَةٍ عَلَى يَاءٍ تَحْتِيَّةٍ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ مَكْسُورَةٌ وَذَلِكَ من الرَّسْم التوقيفي، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تُكْتَبَ الْهَمْزَةُ فِي السَّطْرِ بعد الْألف.

[17- 18]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015