عَلَى الْإِخْبَارِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَضَمَائِرُ الْجَمْعِ عَائِدَةٌ إِلَى الرُّومِ.

وغَلَبِهِمْ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ سَيَغْلِبُونَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: سَيَغْلِبُونَ الَّذِينَ غَلَبُوهُمْ، أَيِ الْفُرْسَ إِذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ سَيَغْلِبُونَ قَوْمًا آخَرِينَ لِأَنَّ غَلَبَهُمْ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ وَإِنْ كَانَ يَرْفَعُ مِنْ شَأْنِهِمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَعَرَّةَ غَلَبِ الْفُرْسِ إِيَّاهُمْ، لَكِنِ الْقِصَّةُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَلِأَنَّ تَمَامَ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَغْلِبَ الرُّومُ الْفُرْسَ الَّذِينَ ابْتَهَجَ الْمُشْرِكُونَ بِغَلَبِهِمْ وَشَمِتُوا لِأَجْلِهِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفَائِدَةُ ذِكْرِ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْهَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهَا بِحَيْثُ لَا يُظَنُّ نَصْرٌ لَهُمْ بَعْدَهَا، فَابْتَهَجَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فَالْوَعْدُ بِأَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الِانْهِزَامِ فِي أَمَدٍ غَيْرِ طَوِيلٍ تَحَدٍّ بِهِ الْقُرْآنُ الْمُشْرِكِينَ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لَهُمُ الْغَلَبَ عَلَى الْفُرْسِ تَقْدِيرًا خَارِقًا للْعَادَة معْجزَة لنبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَامَةً لِلْمُسْلِمِينَ.

وَلَفْظُ بِضْعِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدٍ قَلِيلٍ لَا يَتَجَاوَزُ الْعَشَرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [42] . وَهَذَا أَجَلٌ لِرَدِّ الْكَرَّةِ لَهُمْ عَلَى الْفُرْسِ.

وَحِكْمَةُ إِبْهَامِ عَدَدِ السِّنِينَ أَنَّهُ مُقْتَضَى حَالِ كَلَامِ الْعَظِيمِ الْحَكِيمِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى

الْمَقْصُودِ إِجْمَالًا وَأَنْ لَا يَتَنَازَلَ إِلَى التَّفْصِيلِ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَشْوِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَلِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءٌ فِي مُدَّةٍ أَقْرَبَ مِمَّا ظَهَرَ فَفِي ذَلِكَ تَفْرِيجٌ عَلَيْهِمْ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْجِهَةِ الرَّابِعَةِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَصَحِيحَةٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مِثْلَهُمْ فَكَانَتْ فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ الم غُلِبَتِ الرُّومُ قَاهِرِينَ لِلرُّومِ فَذَكَرُوهُ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015