وَمُقَدِّمَاتِهَا كَالتَّغَازُلِ بِرَمْيِ الْحَصَى اقْتِرَاعًا بَيْنَهُمْ على من يرومونه، وَالتَّظَاهُرِ بِتَزْيِينِ الْفَاحِشَةِ زِيَادَةً فِي فَسَادِهَا وَقُبْحِهَا لِأَنَّهُ مُعِينٌ عَلَى نَبْذِ التَّسَتُّرِ مِنْهَا وَمُعِينٌ عَلَى شُيُوعِهَا فِي النَّاسِ.
وَفِي قَوْلِهِ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ تَشْدِيدٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّهُمُ الَّذِينَ سَنُّوا هَذِهِ الْفَاحِشَةَ السَّيِّئَةَ لِلنَّاسِ وَكَانَتْ لَا تَخْطِرُ لِأَحَدٍ بِبَالٍ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَفَاسِدِ تَكُونُ النَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَنِ ارْتِكَابِهَا لِعَدَمِ الِاعْتِيَادِ بِهَا حَتَّى إِذَا أَقْدَمَ أَحَدٌ عَلَى فِعْلِهَا وَشُوهِدَ
ذَلِكَ مِنْهُ تَنَبَّهَتِ الْأَذْهَانُ إِلَيْهَا وَتَعَلَّقَتِ الشَّهَوَاتُ بِهَا.
وَالنَّادِي: الْمَكَانُ الَّذِي يَنْتَدِي فِيهِ النَّاسُ، أَيْ يَجْتَمِعُونَ نَهَارًا لِلْمُحَادَثَةِ وَالْمُشَاوَرَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدْوِ بِوَزْنِ الْعَفْوِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ نَهَارًا. وَأَمَّا مَكَانُ الِاجْتِمَاعِ لَيْلًا فَهُوَ السَّامِرُ، وَلَا يُقَالُ لِلْمَجْلِسِ نَادٍ إِلَّا مَا دَامَ فِيهِ أَهْلُهُ فَإِذَا قَامُوا عَنْهُ لَمْ يُسَمَّ نَادِيًا.
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ.
الْكَلَامُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ [العنكبوت: 24] الْآيَةَ، وَالْأَمْرُ فِي ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ لِلتَّعْجِيزِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْذَرَهُمُ الْعَذَابَ فِي أَثْنَاءِ دَعْوَتِهِ. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ لُوطٍ فِيمَا مَضَى لَكِنَّ الْإِنْذَار من شؤون دَعْوَةِ الرُّسُلِ.
وَأَرَادَ بِالنَّصْرِ عِقَابَ الْمُكَذِّبِينَ لِيُرِيَهُمْ صِدْقَ مَا أَبْلَغَهُمْ مِنْ رِسَالَةِ اللَّهِ.
وَوَصَفَهُمْ بِ الْمُفْسِدِينَ لِأَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِشَنَاعَاتِ أَعْمَالِهِمْ وَيُفْسِدُونَ النَّاسَ بِحَمْلِهِمْ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَتَدْرِيبِهِمْ بِهَا، وَفِي هَذَا الْوَصْفِ تَمْهِيدٌ لِلْإِجَابَةِ بِالنَّصْرِ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يحب المفسدين.