وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: ذَهَبَتِ الْأَمَانِيُّ هَاهُنَا، أَيْ أَمَانِيُّ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ الْعِقَابِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُرْجِئَةِ قَالَ قَائِلُهُمْ:
كُنْ مُسْلِمًا وَمِنَ الذُّنُوبِ فَلَا تَخَفْ ... حَاشَا الْمُهَيْمِنَ أَنْ يُرِي تَنْكِيدَا
لَوْ شَاءَ أَنْ يُصْلِيَكَ نَارَ جَهَنَّمٍ ... مَا كَانَ أَلْهَمَ قَلْبَكَ التَّوْحِيدَا
وَمَعْنَى لَا يُرِيدُونَ كِنَايَةٌ عَنْ: لَا يَفْعَلُونَ، لِأَنَّ مَنْ لَا يُرِيدُ الْفِعْلَ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مُكْرَهًا. وَهَذَا مِنْ بَابِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [5] .
وَالْعُلُوُّ: التَّكَبُّرُ عَنِ الْحَقِّ وَعَلَى الْخَلْقِ، وَالطُّغْيَانُ فِي الْأَعْمَالِ، وَالْفَسَادُ: ضِدُّ الصَّلَاحِ، وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ مَذْمُومٍ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْ لَدَى أَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ.
وَقَوْلُهُ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ تَذْيِيلٌ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ تِلْكَ الدَّارُ وَبِهِ صَارَتْ جُمْلَةُ تِلْكَ الدَّارُ كُلُّهَا تَذْيِيلًا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ الْحُكَمِ لِلْعَامِّ بِالْمَوْصُولِ مِنْ قَوْلِهِ لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَالْمُعَرَّفِ بِلَامِ الِاسْتِغْرَاقِ.
والْعاقِبَةُ: وَصْفٌ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ لِكَثْرَةِ الْوَصْفِ بِهِ وَهِيَ الْحَالَةُ الْآخِرَةُ بَعْدَ حَالَةٍ سَابِقَةٍ وَغَلَبَ إِطْلَاقُهَا عَلَى عَاقِبَةِ الْخَيْرِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فِي أول الْأَنْعَام [11] .
[84]
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (84)
تَتَنَزَّلُ جُمْلَةُ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ مَنْزِلَةَ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ لِجُمْلَةِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الْقَصَص: 83] لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ ذَاتُ أَحْوَالٍ مِنَ الْخَيْرِ وَدَرَجَاتٍ مِنَ النَّعِيمِ وَهِيَ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِيءُ بِهِ الْمُتَّقُونَ من الْحَسَنَات فتفاوت دَرَجَاتُهُمْ بِتَفَاوُتِهَا.
وَفِي اخْتِيَارِ فِعْلِ جاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ حَضَرَ بِالْحَسَنَةِ