وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ التَّعْجِيبِيِّ تَعْجِيبًا مِنْ عَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى
مُوجِبِ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ أُمَمًا عَلَى بَطَرِهِمُ النِّعْمَةَ وَإِعْجَابِهِمْ لِقُوَّتِهِمْ وَنِسْيَانِهِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ تَعْجِيبًا مِنْ فَوَاتِ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ بَابِ «حَفِظْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ» .
وَعُطِفَ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَلَى جُمْلَةِ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ. وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ.
وَالْقُوَّةُ: مَا بِهِ يُسْتَعَانُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّعْبَةِ تَشْبِيهًا لَهَا بِقُوَّةِ الْجِسْمِ الَّتِي تُخَوِّلُ صَاحِبَهَا حَمْلَ الْأَثْقَالِ وَنَحْوِهَا قَالَ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الْأَنْفَال: 60] .
وَالْجَمْعُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. قِيلَ: كَانَ أَشْيَاعُ قَارُونَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رُؤَسَاءَ جَمَاعَاتٍ.
وَجُمْلَة وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ وَلَيْسَ عَطْفًا عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَهُ. وَالسُّؤَالُ الْمَنْفِيُّ السُّؤَالُ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ سُؤَالَ الْآخِرَةِ.
وَالْمَعْنَى: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِذُنُوبِهِمْ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عِقَابِهِمْ عَلَى إِجْرَامِهِمْ فَهِيَ كِنَايَةٌ بِوَسَائِطَ.
وَالْكَلَامُ تَهْدِيدٌ لِلْمُجْرِمِينَ لِيَكُونُوا بِالْحَذَرِ مِنْ أَنْ يُؤْخَذُوا بَغْتَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، أَيْ لَا يُسْأَلُ الْمُجْرِمُ عَنْ جُرْمِهِ قَبْلَ عِقَابِهِ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ بِحَدَّيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَأَمْهَلَ الْمُجْرِمَ فَإِذَا أَخَذَهُ أَخَذَهُ بَغْتَةً وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الْأَنْعَام: 44]
وَقَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الظَّالِمَ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يفلته»
. [79]
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ [الْقَصَص: 76] إِلَى آخِرِهَا مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا وَتَعَلَّقَ بِهَا، فَدَلَّتِ الْفَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ بَيْنَ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ مِنْ أَجْلِ