وَقَوْلُهُ وَلَهُ الْحُكْمُ اللَّامُ فِيهِ أَيْضًا لِلْمِلْكِ. وَالتَّقْدِيمُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْضًا.
والْحُكْمُ: الْقَضَاءُ وَهُوَ تَعْيِينُ نَفْعٍ أَوْ ضُرٍّ لِلْغَيْرِ. وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحُكْمِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ عَلَيْهِ، أَيْ لَهُ الْحُكْمُ فِي الدَّارَيْنِ. وَالِاخْتِصَاصُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الدُّنْيَا يَثْبُتُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى الْمَجَازِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الْآخِرَة فمقصور عَلَى اللَّهِ. وَفِي هَذَا إِبْطَالٌ لِتَصَرُّفِ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهَا وَإِبْطَالٌ لِشَفَاعَتِهَا الَّتِي يَزْعُمُونَهَا فِي قَوْلِهِمْ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: 18] أَيْ فِي الْآخِرَةِ إِنْ كَانَ مَا زَعَمْتُمْ مِنَ الْبَعْثِ.
وَأَمَّا جُمْلَةُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فَمَسُوقَةٌ مَسَاقَ التَّخْصِيصِ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، فَبَعْدَ أَنْ أُثْبِتَ لِلَّهِ كُلُّ حَمْدٍ وَكُلُّ حُكْمٍ، أَيْ أَنَّكُمْ تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَتُمَجِّدُونَهُ وَيُجْرِي عَلَيْكُمْ حُكْمَهُ. وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا إِلْزَامُهُمْ بِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَلِلِاهْتِمَامِ بِالِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى حكمه.
[71- 72]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72)
انْتِقَالٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ بِصِفَاتِ ذَاتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ بِبَدِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ، وَفِي ضِمْنِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إِدْمَاجُ الِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ وَلِلتَّعْرِيضِ
بِكُفْرِ الْمُشْرِكِينَ جَلَائِلَ نِعَمِهِ.
وَمِنْ أَبْدَعَ الِاسْتِدْلَالِ أَنِ اخْتِيرَ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ هَذَا الصُّنْعُ الْعَجِيبُ الْمُتَكَرِّرُ كَلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي يَسْتَوِي فِي إِدْرَاكِهِ كُلُّ مُمَيِّزٍ، وَالَّذِي هُوَ أَجْلَى مَظَاهِرِ التَّغَيُّرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ فَهُوَ دَلِيلُ الْحُدُوثِ وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ فِي التَّكَيُّفِ بِهِ جَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ حَتَّى الْأَصْنَامَ فَهِيَ تُظْلِمُ وَتَسْوَدُّ أَجْسَامُهَا بِظَلَامِ اللَّيْلِ وَتُشْرِقُ وَتُضِيءُ بِضِيَاءِ النَّهَارِ، وَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِتَعَاقُبِ الضِّيَاءِ وَالظُّلْمَةِ عَلَى