وَكَانَ يَصُدُّهُمْ عَنْ تَقَلُّدِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ أَسْبَابٌ مُغْرِيَةٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ الزَّائِلَةِ الَّتِي فُتِنُوا بِهَا.
وَ (عَسَى) تَرَجٍّ لِتَمْثِيلِ حَالِهِمْ بِحَالِ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ الْفَلَاحُ. وأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ أَشَدُّ فِي إِثْبَاتِ الْفَلَاحِ مِنْ: أَنْ يُفْلِحَ، كَمَا تَقَدَّمَ غير مرّة.
[68]
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ.
هَذَا مِنْ تَمَامِ الِاعْتِرَاضِ وَهِيَ جُمْلَةُ فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [الْقَصَص:
67] وَظَاهِرُ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَنَّ مَعْنَاهُ آيِلٌ إِلَى التَّفْوِيضِ إِلَى حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ قُلُوبٍ مُنْفَتِحَةٍ لِلِاهْتِدَاءِ وَلَوْ بِمَرَاحِلَ، وَقُلُوبٍ غَيْرِ مُنْفَتِحَةٍ لَهُ فَهِيَ قَاسِيَةٌ صَمَّاءُ، وَأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَ فَرِيقًا عَلَى فَرِيقٍ. وَفِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» لِلْوَاحِدِيِّ «قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حِينَ قَالَ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] اه. يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَهُمَا الْمُرَادُ بِالْقَرْيَتَيْنِ. وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ. فَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ اتِّصَالُ مَعْنَاهَا بِقَوْلِهِ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [الْقَصَص: 65] ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَجَابُوا بِهِ دَعْوَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ وَيَخْتَارُ مِنْ بَيْنِ مَخْلُوقَاتِهِ لِمَا يَشَاءُ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ جِنْسُ مَا مِنْهُ الِاخْتِيَارُ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ لِلرِّسَالَةِ مَنْ يَشَاءُ إِرْسَالَهُ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [الْأَنْعَام: 124] ، وَأَنْ لَيْسَ ذَلِكَ لِاخْتِيَارِ النَّاسِ وَرَغَبَاتِهِمْ وَالْوَجْهَانِ لَا يَتَزَاحَمَانِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ قَوْلُهُ وَيَخْتارُ فَذَكَرَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَخْلُوقَاتِهِ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى خَبَرِهِ الْفِعْلِيِّ يُفِيدُ الْقَصْرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِنْ لُوحِظَ سَبَبُ النُّزُولِ أَيْ رَبُّكَ وَحْدُهُ لَا أَنْتُمْ تَخْتَارُونَ مَنْ يُرْسَلُ إِلَيْكُمْ.
وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مَوْصُولَةً مَفْعُولًا لِفِعْلِ