الرَّسُولُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي تَأْتِي الْمُعْجِزَاتُ عَلَى يَدَيْهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فَاذْهَبا بِآياتِنا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [15] ، وَقَوْلِهِ بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ [الْقَصَص: 35] إِذْ جَعَلَ تَعَلُّقَ الْآيَاتِ بِضَمِيرَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى الْمُلَابَسَةِ مَعْنًى مُتَّسِعٌ فَالْمُصَاحِبُ لِصَاحِبِ الْآيَاتِ هُوَ مَلَابِسٌ لَهُ.

وَالْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ هِيَ خَوَارِقُ الْعَادَاتِ الَّتِي أَظْهَرَهَا، أَيْ جَاءَهُمْ بِهَا آيَةً بَعْدَ آيَةٍ فِي مَوَاقِعَ مُخْتَلِفَةٍ، قَالُوا عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ.

وَالْمُفْتَرَى: الْمَكْذُوبُ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا سِحْرًا مَكْذُوبًا أَنَّهُ مَكْذُوبٌ ادِّعَاءُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِخْفَاءُ كَوْنِهِ سِحْرًا.

وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَما سَمِعْنا بِهذا إِلَى ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ وَأَمَّا الْآيَاتُ فَلَا تُسْمَعُ. فَمَرْجِعُ اسْمَيِ الْإِشَارَةِ مُخْتَلِفٌ، أَيْ مَا سَمِعْنَا مَنْ يَدْعُو آبَاءَنَا إِلَى مِثْلِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ فِي زَمَنِ آبَائِنَا. وَقَدْ جَعَلُوا انْتِفَاءَ بُلُوغِ مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ إِلَى آبَائِهِمْ حَتَّى تَصِلَ إِلَيْهِمْ بِوَاسِطَةِ آبَائِهِمُ الْأَوَّلِينَ، دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِهَا وَذَلِكَ آخِرُ مَلْجَأٍ يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْمَحْجُوجُ الْمَغْلُوبُ حِينَ لَا يَجِدُ مَا يَدْفَعُ بِهِ الْحَقَّ بِدَلِيلٍ مَقْبُولٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ التلفيقات والمباهتات.

[37]

[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 37]

وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)

لَمَّا قَالُوا قولا صَرِيحًا فِي تَكْذِيبِهِ وَاسْتَظْهَرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى شَيْء من عَلِمَهُ آبَاؤُهُمْ أَجَابَ مُوسَى كَلَامَهُمْ بِمِثْلِهِ فِي تَأْيِيدِ صِدْقِهِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُهُ اللَّهُ، فَمَا عِلْمُ آبَائِهِمْ فِي جَانِبِ عِلْمِ اللَّهِ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا تَمَسَّكُوا بِعِلْمِ آبَائِهِمْ تَمَسَّكَ مُوسَى بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدِ احْتَجَّ مُوسَى بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكِلْ ذَلِكَ إِلَى هَارُونَ.

وَكَانَ مُقْتَضَى الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُحْكَى كَلَامُ مُوسَى بِفِعْلِ الْقَوْلِ غَيْرَ مَعْطُوفٍ بِالْوَاوِ شَأْنَ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَخُولِفَ ذَلِكَ هُنَا بِمَجِيءِ حَرْفِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015