غَنَمٍ وَأَنَّ مُوسَى رَعَى غَنَمَهُ. فَيَكُونُ إِطْلَاقُ تَذُودانِ هُنَا مَجَازًا مُرْسَلًا، أَوْ تَكُونُ حَقِيقَةُ الذَّوْدِ طَرْدُ الْأَنْعَامِ كُلِّهَا عَنْ حَوْضِ الْمَاءِ. وَكَلَامُ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي تَبْيِينِ حَقِيقَةِ هَذَا. وَفِي سِفْرِ الْخُرُوجِ: أَنَّهَا كَانَتْ لَهُمَا غَنَمٌ، وَالذَّوْدُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمَاشِيَةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ حُضُورِ
الْمَاءِ بِالْأَنْعَامِ سَقْيُهَا. فَلَمَّا رَأَى مُوسَى الْمَرْأَتَيْنِ تَمْنَعَانِ أَنْعَامَهُمَا مِنَ الشُّرْبِ سَأَلَهُمَا: مَا خَطْبُكُمَا؟ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ قِصَّتِهِمَا وَشَأْنِهِمَا إِذْ حَضَرَا الْمَاءَ وَلَمْ يَقْتَحِمَا عَلَيْهِ لِسَقْيِ غَنَمِهِمَا.
وَجُمْلَةُ قالَ مَا خَطْبُكُما بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ.
وَالْخَطْبُ: الشَّأْنُ وَالْحَدَثُ الْمُهِمُّ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ [يُوسُف: 51] ، فَأَجَابَتَا بِأَنَّهُمَا كَرِهَتَا أَنْ تَسْقِيَا فِي حِينِ اكْتِظَاظِ الْمَكَانِ بِالرِّعَاءِ وَأَنَّهُمَا تَسْتَمِرَّانِ عَلَى عَدَمِ السَّقْيِ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ الرِّعَاءُ.
والرِّعاءُ: جَمْعُ رَاعٍ.
وَالْإِصْدَارُ: الْإِرْجَاعُ عَنِ السَّقْيِ، أَيْ حَتَّى يَسْقِيَ الرِّعَاءُ وَيُصْدِرُوا مَوَاشِيَهُمْ، فَالْإِصْدَارُ جَعْلُ الْغَيْرِ صَادِرًا، أَيْ حَتَّى يَذْهَبَ رِعَاءُ الْإِبِلِ بِأَنْعَامِهِمْ فَلَا يَبْقَى الزِّحَامُ.
وَصَدُّهُمَا عَنِ الْمُزَاحمَة عَادَتهمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا ذَوَاتَيْ مُرُوءَةٍ وَتَرْبِيَةٍ زَكِيَّةٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُصْدِرَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِّ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ يُصْدِرَ بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَضَمِّ الدَّالِّ عَلَى إِسْنَادِ الصَّدْرِ إِلَى الرِّعَاءِ، أَيْ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنِ الْمَاءِ، أَيْ بِمَوَاشِيهِمْ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّعَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُمْ مَوَاشِيَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ عَادَتُهُمَا كُلَّ يَوْمِ سَقْيٍ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَادَةٌ.
وَكَانَ قَوْلُهُمَا وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ اعْتِذَارًا عَنْ حُضُورِهِمَا لِلسَّقْيِ مَعَ الرِّجَالِ لِعَدَمِ وِجْدَانِهِمَا رَجُلًا يَسْتَقِي لَهُمَا لِأَنَّ الرَّجُلَ الْوَحِيدَ لَهُمَا هُوَ أَبُوهُمَا وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ وُرُودَ الْمَاءِ لِضَعْفِهِ عَنِ الْمُزَاحَمَةِ.