وَرَتَّبَ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالْعَدَاوَةِ وَصْفَهُ بِالْإِضْلَالِ لِأَنَّ الْعَدُوَّ يَعْمَلُ لِإِلْحَاقِ الضُّرِّ بِعَدُوِّهِ ومُبِينٌ وَصْفٌ لِ مُضِلٌّ لَا خَبَرٌ ثَانٍ وَلَا ثَالِث.

[16]

[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 16]

قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)

بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [الْقَصَص: 15] لِأَنَّ الْجَزْمَ بِكَوْنِ مَا صَدَرَ مِنْهُ عَمَلًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَتَغْرِيرِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ بِالِاعْتِرَافِ بِخَطَئِهِ وَيُفَرَّعُ عَلَيْهِ طَلَبُ غُفْرَانِهِ. وَسَمَّى فِعْلَهُ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَثَرِ فَرْطِ الْغَضَبِ لِأَجْلِ رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِهِ، وَكَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ غَضَبِهِ فَكَانَ تَعْجِيلُهُ بِوَكْزِ الْقِبْطِيِّ وَكْزَةً قَاتِلَةً ظُلْمًا جَرَّهُ لِنَفْسِهِ. وَسَمَّاهُ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [20] ضَلَالًا قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ.

وَأَرَادَ بِظُلْمِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ تَسَبَّبَ لِنَفْسِهِ فِي مَضَرَّةِ إِضْمَارِ الْقِبْطِ قَتْلَهُ، وَأَنَّهُ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي عِقَابِ الْقِبْطِيِّ عَلَى مُضَارَبَتِهِ الْإِسْرَائِيلِيَّ. وَلَعَلَّهُ لَمْ يَسْتَقْصِ الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَذَلِكَ انْتِصَارٌ جَاهِلِيٌّ كَمَا قَالَ وَدَّاكُ بْنُ ثُمَيْلٍ الْمَازِنِيُّ يَمْدَحُ قَوْمَهُ:

إِذَا اسْتُنْجِدُوا لَمْ يَسْأَلُوا مَنْ دَعَاهُمُ ... لِأَيَّةِ حَرْبٍ أَمْ بِأَيِّ مَكَانِ

وَقَدِ اهْتَدَى مُوسَى إِلَى هَذَا كُلِّهِ بِالْإِلْهَامِ إِذْ لَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ شَرِيعَةٌ إِلَهِيَّةٌ فِي الْقِبْطِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ مِمَّا تَلَقَّاهُ مَنْ أُمِّهِ وَقَوْمِهَا مَنْ تَدَيُّنٍ بِبَقَايَا دِينِ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.

وَلَا الْتِفَاتَ فِي هَذَا إِلَى جَوَازِ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنَ النَّبِيءِ لِأَنَّهُ لَمْ يكن يَوْمئِذٍ نبيئا، وَلَا مَسْأَلَةِ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنَ النبيء قبل النبوءة، لِأَنَّ تِلْكَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا تَقَرَّرَ حُكْمُهُ مِنَ الذُّنُوبِ بِحَسَبِ شَرْعِ ذَلِكَ النَّبِيءِ أَو شرع نبيء هُوَ مُتَّبِعُهُ مِثْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ نُبُوءَتِهِ لِوُجُودِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِهَا.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَغَفَرَ لَهُ لِلتَّعْقِيبِ، أَيِ اسْتَجَابَ اسْتِغْفَارَهُ فَعَجَّلَ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015